كِش مَلك” بعد سقوط “قلعة” الفلوجة…تحليل عسكري
سعود الساعدي
انتصارات معارك الفلوجة التي تتواصل منذ الايام الاولى لانطلاق معارك محيط مدينة الفلوجة اثبت وجود وحدة قيادة وسيطرة مشتركة بتنسيق عال وفعال نجح في وضع خطط عسكرية موحدة بقيادة مركزية تمكنت من تنظيم الوظائف قطعاتها وتحديد المهمات بين صنوفها وتوزيع الأدوار بين تشكيلاتها وأكدت قدرتها على تحشيد العناصر المقاتلة القادرة بالإمكانات التسليحية المطلوبة في المكان والزمان المناسبين وبالوسائل والأساليب والتكتيكات
الملائمة.
القوات العراقية المشتركة وبالذات فصائل المقاومة والحشد الشعبي أنجزت مهامها الاولية بالكامل بسرعة قياسية بأقل قدر ممكن من الخسائر رغم الاستعدادات الدفاعية الكبيرة لتنظيم داعش وباتت الفلوجة تحت مرمى
النيران العراقية بل تحت مرمى حجرها وما عرقل اقتحامها وتطهيرها أساسا هو إرادة سياسية محلية وأميركية على رئيس الوزراء لإيقاف عملية الاقتحام فضلا عن الاساليب الدفاعية التي اتخذها تنظيم داعش التي تتطلب معالجتها مزيدا من الوقت.
الفلوجة عقدة استراتيجية ذات قيمة عالية لطالما شكلت نقطة ارتكاز لعمليات تنظيم داعش المزدوجة الدفاعية والهجومية في العراق وسوريا أيضا وتعد جهازه العصبي الذي سيؤدي تعطيله الى شلل لكل خلاياه النائمة وخلاياه اليقظة وسيؤدي الى عجز لأطرافه المتحركة في العراق ومجمل المنطقة ما يعني ان اسقاط "قلعة” الفلوجة سينقلنا الى مرحلة "كش ملك” للمايسترو الاميركي الذي يسعى جاهدا لإدارة رقعة الشطرنج الحالية رغم
خسائره المتتالية ورغم المزاحمة الروسية ما يعني الاستعداد لردة الفعل الاميركية المتوقعة والعمل الاستباقي على احباطها.
الاستراتيجية الدفاعية الحالية التي يتبناها تنظيم داعش هي استراتيجية الدفاع الراكد السلبي وليس الإيجابي العميق او السيار لعدم قدرته على استيعاب رؤوس الرمح العراقي الثلاثي الذي انطلق من شرقي وغربي وجنوبي
المدينة حيث محاور الكرمة والصقلاوية والهياكل التي من المفترض ات تتعدد وتتفرع الى عدة محاور لاقتحام المدينة لكن التنظيم يحاول فتح جبهات ثانوية يكسر هذا الركود من خلال بعض هجمات الاستنزاف التي يسعى من خلالها الى ارباك او عرقلة عملية الاقتحام او تعطيلها مع تصاعد الهجمة الطائفية الرافضة لضرب تنظيم داعش والقضاء عليه في مدينة الفلوجة.
عندما يتم محاصرة مدينة ما وقطع خطوط امدادها وتقطيع اوصالها ومنعها من توفير عنصر الاسناد المتبادل بين قطعاتها سيؤدي ذلك الى سقوطها عسكريا وهذا هو جوهر العمليات العسكرية في حرب المدن واستكمال عمليات المحاصرة سينقلنا الى مرحلة جديدة وهي حرب الشوارع ما يستدعي تغييرا في الاساليب والتكتيكات المتبعة لاختلاف بيئة المعركة التي ستفرض وضعا قتاليا صعبا ومختلفا ليس لان حرب المدن تمتاز بطبيعتها المعقدة لعوامل عدة مختلفة ولكن لان تنظيم داعش يمتلك خصائص وصفات دفاعية تفوق فيها على غيره من
التنظيمات والجماعات التكفيرية فضلا عن كون مدينة الفلوجة تعد "قلعة” حصينة وعمق مزدوج فكري وتنظيمي ولوجستي وعملياتي لتنظيمات داعش ولعصابات النظام الصدامي البائد.