kayhan.ir

رمز الخبر: 40221
تأريخ النشر : 2016June15 - 19:38

المشهد التركي – الروسي – الاسرائيلي على وقع تداعيات الأزمة السورية


سركيس ابو زيد

شهدت الفترة الماضية أحداثاً سياسية وأمنية دراماتيكية سريعة، تمثلت بالانفجار الرابع لهذا العام في اسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا، وهو جاء متزامنا مع حدثين أخرين هما زيارة نتنياهو لحليفه الجديد الرئيس الروسي بوتين، وخطاب الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب .

وبرغم اختلاف هذه التحركات واتجاهاتها، إلا أن محورها واحد هو تداعيات الأزمة السورية، ومقرها الرئيسي هو دمشق، التي شهدت خطاباً للرئيس بشار الأسد، هو أكثر ثباتاً وتمسكاً بـالثوابت التالية :

1-مواصلة الحرب على الإرهاب حتى تحقيق الانتصار الكامل، وتحرير كل شبر من سورية.

2- "ورقة المبادئ" التي قدمها الوفد السوري المفاوض في جنيف 3، كأساس للمفاوضات وعدم الموافقة على أي طرح خارجها، وهي تؤكد على :

- سيادة سوريا ووحدتها.

3- رفض التدخل الخارجي ونبذ الإرهاب .

- دعم المصالحة والحفاظ على المؤسسات .

- رفع الحصار وضبط الحدود.

- التنوّع الثقافي وإعادة الإعمار.

3- حكومة الوحدة الوطنية، والمقصود بها حكومة تضم ممثلين عن النظام والمعارضة الوطنية، وبالتالي لا مكان لهيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات ولا بحث ونقاش في مصير الرئيس الأسد.

من ناحية أخرى كان لافتاً في خطاب الرئيس الأسد، التوجه الكلامي وبنبرة حادة إلى الرئيس التركي أردوغان، متهماً إياه، بأنه يرسل الإرهابيين علناً عبر الحدود التركية الى شمال سوريا، حيث وصفه بـ"الفاشي والبلطجي والأزعر السياسي والسفاح"، وواعداً بأن تكون "حلب مقبرة أردوغان." الذي يواجه في عقر داره خطر الإرهاب المرتد عليه جراء دعمه لـ"داعش" وأخواتها، وكان ثمنه الإطاحة باستقرار تركيا على المستويين الأمني والاقتصادي، وأول ضحايا الهجمات التي لا يمكن فصلها عن الحرب السورية وتداعياتها كان القطاع السياحي.

الملاحظ ان اردوغان كان يوجه في كل مرة أصابع الاتهام بشكل أساسي الى حزب العمال الكردستاني. وكانت الحكومة التركية تتوقع عبر معلوماتها الاستخباراتية، أن يوسع الكردستاني هجماته من أجل عرض قوته أمام موسكو وواشنطن، ذلك أن حساباته تستند الى إظهار قوته في تركيا لنيل دعم أكبر في سوريا والمنطقة، وخصوصا من الولايات المتحدة التي تلعب "الورقة الكردية" في شمال سوريا.

تركيا تخاف التنسيق الاميركي الروسي

ولذلك تصف مصاد دبلوماسية العلاقات التركية – الأميركية بأنها تمر بحالة من الغموض والتوتر وعدم وضوح الرؤيا الاستراتيجية الأمريكية تجاه الهواجس التركية في سوريا، وقد حددت المسائل الخلافية بينهما في ثلاثة أمور:

1- المنطقة الآمنة، وهو ما تريده تركيا منذ اللحظة الأولى للأزمة السورية، فيما الولايات المتحدة عارضت، أولا لأنها تواجه معارضة من سوريا وإيران وروسيا. وثانياً لأن التطورات اللاحقة أظهرت أن لواشنطن أجندتها الخاصة بها لكل المنطقة الحدودية السورية مع تركيا.

2-التدخل الروسي، حيث غاب الدعم الأميركي الذي كانت تنتظره أنقرة في الأزمة التي نشبت بينها وبين روسيا، جراء إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية خرقت الأجواء التركية على الحدود مع سوريا في 24 تشرين الثاني من العام الماضي، حتى بدا لأنقرة أنها تُركت لوحدها مجدداً في مواجهة الدب الروسي. واقتصرت الجهود الأمريكية وقتها إلى منع وقوع المحظور والحيلولة دون اندلاع صراع عسكري مباشر بين البلدين. وهذا يُظهر بوضوح على وجود شراكة أميركية – روسية سياسية وعسكرية في سوريا تضطلع فيها روسيا بالدور الأكبر.

3-المسألة الكردية، وهي الأهم والأخطر في حسابات تركيا وفي خلافها مع الولايات المتحدة . فمنذ البداية كان اردوغان واضحا في هذه القضية عندما خيّر وبنبرة جادة إدارة الرئيس باراك أوباما بين تركيا أو الفصائل الكردية السورية بقوله "إما نحن أو إرهابيو كوباني". وهنا يطالعنا سؤال، واشنطن ماذا اختارت؟

يمكننا القول هنا، أن إدارة أوباما لا تبدي بوارد الاختيار في عرض أردوغان، وأكثر ما يثير حفيظة الأتراك، هو غض الأميركيين النظر عن تحركات الفصائل الكردية في المناطق الحدودية مع تركيا واستفادتها من السلاح الأميركي ليس فقط في محاربة "داعش"، بل وتحقيق مكاسب جغرافية لربط المناطق ذات الطابع الكردي بعضها ببعض، في إطار تهيئة الأرضية لإعلان الانفصال عن سوريا أو على الأقل تكوين إقليم فيديرالي .

فالعملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة بجيش كردي للسيطرة على مدينة الرقة، والتي تحولت إلى محاولة فرض السيطرة على المنطقة الممتدة من نهر الفرات غربا إلى منبج، هي خير دليل على إخفاق السياسة التركية بشأن سورية، لكن الأكثر خطورة بالنسبة الى تركيا أن هذه العملية تسهل بلوغ "العدو الكردي" هدفاً استراتيجياً وهو وصل كانتون عفرين بكانتون عين العرب (كوباني).

فأميركا تريد أن تفعل مع أكراد سوريا كما فعلت في شمال العراق مع أكراد العراق. لكن تركيا ترى في نشوء كيان كردي في شمال سوريا تقسيما لسوريا. وهي تتفق مع إيران وروسيا في هذه النقطة، وهو ما يساهم في تعاون قوي بينهما وتركيا.

لكن الكلام عن "مثلث " يضم تركيا وروسيا وإيران، هو جديد على السياسة الخارجية التركية بعد الانكسار الكبير في العلاقات التركية – الروسية، والتركية السورية. وهو بالتالي عنوان كبير يفتقر الى الجدية والمصداقية ولا يمكن له التقدم السريع في خضم التطورات المتسارعة.

وربما هذا التخبط الأردوغاني وحالة عدم الاتزان السياسي الداخلي والخارجي الذي تُعاني منه تركيا، جعلت نتنياهو يفضل تأجيل اتفاق المصالحة والتطبيع معها متوجها في هذه المرحلة ناحية موسكو وتوطيد علاقته مع بوتين من خلال دبلوماسية الزيارات المكثفة والرغبة الجامحة في تغيير السلوك. خدمةَ للمصالح الإسرائيلية الأمنية، وذلك من خلال التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي وأهم بنوده كانت:

- السماح للطائرات الروسية باختراق المجال الإسرائيلي عند الحاجة.

- تفهم موسكو لمصالح "إسرائيل" وأمنها وخطوطها الحمر: ومنها عدم نقل أسلحة نوعية الى حزب الله، ومنع إيران من الاقتراب من الحدود مع" إسرائيل" وإبقاء الجبهة الشمالية هادئة.

وإذا كان نتنياهو يُفضل روسيا على تركيا، فإن بوتين يفضل هذه الأيام أوباما على نتنياهو والاستفادة مما تبقى من عهد الرئيس الأميركي للاستثمار في سوريا سياسيا وعسكرياً، وهذا التنسيق السياسي الميداني يُقلق تركيا والمعارضة السورية التي تقول:" إن هذا الموقف الموحد الأميركي- الروسي يُؤدي لعملية تصعيد عسكري في الداخل السوري، ويصيب العملية السياسية بالشلل، خصوصا وأن الملف السياسي معطل بقرار روسي وبصمت أميركي مريب." ولكن الأخطر والأهم في نظر المعارضة هو التنسيق الروسي - الأميركي للعب ورقة دمج نظام الرئيس الأسد بعملية مكافحة الإرهاب ومحاربة "داعش.

فالتدخل العسكري الروسي في سوريا غيّر الأوضاع الميدانية لمصلحة نظام الرئيس الأسد، وأعطى روسيا دوراً سياسياً محورياً في تقرير مستقبل سوريا . لكن الانتصار الآخر الذي حققه بوتين كان في الحصول على اعتراف أميركي بشرعية الدور الروسي في سوريا، بما في ذلك الدور العسكري، والاعتراف الأميركي الضمني بوجود فيتو لموسكو في دمشق. وحتى الآن لا تزال روسيا متمسكة بالرئيس الأسد، كما أنها تعمل معه وإيران على تحقيق انتصار عسكري نوعي في حلب.