kayhan.ir

رمز الخبر: 39579
تأريخ النشر : 2016June04 - 19:57

عامان على فتوى المرجعية


عادل الجبوري

في مثل هذه الايام، قبل عامين، اصدر المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني فتواه الشهيرة بوجوب الجهاد الكفائي ضد عصابات داعش التكفيرية التي استباحت العراق، وكادت ان تسيطر عليه وتحتله بالكامل، بعدما اجتاحت محافظة نينوى بصورة مفاجئة وفي ظل ظروف وملابسات مازال الكثير منها غامضا وغير مفهوما حتى الان.

المتعارف عند المرجعيات الدينية الكبرى، في مختلف الازمان والعصور، لاسيما مرجعية السيد السيستاني، انها لاتتدخل كثيرا في تفاصيل وجزئيات الحراك السياسي، بل ان تدخلها يكون في المحطات الحرجة، والمنعطفات الخطيرة، والتحديات الكبرى، التي تهدد الكيان الاجتماعي بدرجة كبيرة.

ومع ان المرجع السيد السيستاني كان ومازال قريبا جدا مما يجري من وقائع واحداث في عموم المشهد السياسي العراقي، ويبدي اراءه وتوجيهاته باستمرار عبر قنوات ووسائل متنوعة، مثل منابر صلوات الجمعة، والفتاوى الشرعية، الا ان هناك مستويات خطيرة ومقلقة من تفاعلات الاحداث حتمت على المرجعية ان تتدخل وتدخل على الخط بقوة ووضوح، كما حصل في صيف عام 2004، حينما استشعرت ان الاوضاع في مدينة النجف الاشرف تنذر بالخطر، وكذلك في ربيع عام 2006 بعدما تعرض مرقد الامامين العسكريين عليهما السلام في مدينة سامراء (120 كم شمال بغداد) لعمل ارهابي كبير من قبل تنظيم القاعدة.

وفي منتصف حزيران-يونيو من عام 2014 بادر المرجع السيستاني الى اصدار فتواه الشهيرة بوجوب الجهاد الكفائي لمواجهة تنظيم داعش الارهابي ودرء الخطر عن العراق، بشعبه ومقدساته ورموزه، وقد مثلت تلك الفتوى نقطة تحول مهمة وانعطافة حاسمة في التصدي للارهاب التكفيري.

لايختلف اليوم اثنان على حقيقة ان العامل الرئيسي في مجمل الانتصارات التي تحققت على تنظيم داعش طيلة العامين المنصرمين، تمثل بالفتوى اساسا، وما سواها من العوامل الاخرى كان مكملاًوداعماً ومتمماً. اً

ولعل من بين اسباب التأثير والفعل الكبير لفتوى الجهاد الكفائي، هو انها صادرة عن اعلى وابرز مؤسسة دينية في المنظومة الشيعية على الصعيد العالمي، لا على صعيد العراق فحسب، وبما ان الاخير استهدف من قبل عصابات داعش، وبما ان غالبية الشعب العراقي ينتمون للمذهب الشيعي، ويكنون قدر كبير من الاحترام والاعتزاز والتقدير للمرجعية الدينية، حتى وان لم يكونوا من المقلدين لها .لذلك كان من الطبيعي ان تلبي اعداد هائلة من الناس نداء المرجعية وتطبق فتواها. كما يسجل تسابق افراد ومؤسسات ومنظمات مختلفة لتقديم شتى انواع الدعم المادي-اللوجيستي، من مواد غذائية وطبية ووسائل نقل وغيرها للمتطوعين، فضلا عن التواجد المستمر لنخب دينية وسياسية وثفافية بين المقاتلين، مما ساهم في رفع الروح المعنوية لهم، وزيادة حماسهم واندفاعهم في مواجهة العدو ودحره.

السبب الاخر للتأثير والفعل الكبير لفتوى الجهاد الكفائي تمثل بتقدير وادراك طبيعة ومستوى الخطر الداعشي التكفيري، من جانب، ومن جانب اخر، ان المرجعية الدينية كمؤسسة وشخوص، كانت ومازالت فوق الانتماءات والاصطفافات الحزبية والفئوية الضيقة، وهي مظلة وملاذ للجميع، حتى لمن هم من غير اتباعها ومقلديها ومريديها.

عامان على فتوى المرجعية

وهنا في هذا الاطار، فأن كل الفصائل التي تشكلت لمقاتلة تنظيم داعش ضمن عنوان الحشد الشعبي، اتخذت من فتوى المرجعية الدينية منطلقا ومرتكزا للتحرك والعمل، رغم عدم التزام البعض منها بكافة توجيهات واوامر المرجعية المتعلقة بتحديد الاطر الشرعية في الميدان.

ولايجد المرء، الكثير من الصعوبة في تلمس مصاديق ما احدثته فتوى الجهاد الكفائي على ارض الواقع.

فحينما يقال ان الفتوى حفظت العراق، وقطعت الطريق على الفتنة، فأن مثل ذلك القول صحيح ودقيق جدا، فلولا الحشد الشعبي الذي تشكل على ضوء الفتوى ماكانت مناطق جرف النصر وسبع البور والضابطية والضلوعية والعلم وسامراء وبيجي وتكريت وغيرها قد تحررت، ولما بقيت المدن والعتبات المقدسة في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف وبابل والكاظمية مصانة، ولما تكاتف ابناء المكون الشيعي مع اخوتهم من ابناء المكون السني، وكذلك العرب والاكراد والتركمان والشبك، ودينيا، المسلمون والمسيحيون والايزيديون والصابئة، لمواجهة العدوان الداعشي، الذي لم يستثن احدا من جرائمه.

واكثر من ذلك، فقد بثت الفتوى الحياة مجددا في جسد المؤسسة العسكرية التي كادت ان تنهار وتتفكك بعد الطريقة الدراماتيكية المفاجئة التي سيطر من خلالها تنظيم داعش على محافظة نينوى ومناطق من محافظات اخرى، اذ ان تشكل الحشد ونجاحه في الامساك بزمام المبادرة، وارغامه لعصابات داعش على التقهقر والتراجع في اكثر من مكان، ساهم في استعادة المؤسسة العسكرية لثقتها بنفسها، وترسيخ الاعتقاد بأن هزيمة تنظيم داعش امر ممكن ومتاح فيما لو توفرت الارادة الصلبة والشعور الحقيقي بالمسؤولية الوطنية .

ومن دون ادنى شك، فأن الانتصارات المتحققة حاليا في مدينة الفلوجة على تنظيم داعش، هي في جانب كبير منها بفضل فتوى السيد السيستاني، لان مجرد وجود قوات الحشد الشعبي بأعداد كبيرة، ومشاركتها بفاعلية في معارك تحرير المدينة، كما ساهمت في عمليات التحرير السابقة في مناطق عديدة، يعني أن ما أسست له المرجعية وفق رؤى عميقة وأفق بعيد قد أتى أكله، فالفلوجة ظلت على مدى سنين قلعة حصينة للجماعات الارهابية التكفيرية من تنظيم القاعدة ثم تنظيم داعش، ومعهم بقايا حزب البعث المنحل، ولم تفلح الكثير من محاولات الجيش لتحريرها.

ان تزامن تحرير الفلوجة مع الذكرى السنوية الثانية لصدور فتوى الجهاد الكفائي يحمل بين طياته رسائل في غاية الاهمية، لم يعد صعبا او مستصعبا قراءتها وتفكيك دلالاتها ومعانيها، لمن يتحرك في الميدان، ولمن يتابع عن قريب، وحتى من بعيد مايجري فيه.