تكفير المسلم بدعوى أنه مشرك؛ قد يكون شركاً !
* الداعية السعودي الدكتور الشيخ حسن فرحان المالكي
تكفير المسلم بدعوى أنه مشرك؛ قد يكون شركاً = تقليداً لسلف ما؛ اي انك قد تحكم اتباعاً لغيرك؛ واشراكاً له مع الله في مثل هذه الأحكام! فانتبه!
وهذا الوقوع في الشرك يكثر في الغلاة البله؛ وهم صيد إبليس؛ فالشيطان يحرض المسلم على تسمية ما ليس شركاً شركاً؛ حتى تطيعه؛ فتعبد هواك وتظلم أخاك. فالعلاقة بين التكفير والشرك قوية جداً؛ من حيث يظن المكفر أنه ما كفّر إلا نصرة للدين؛ وأن هذا التشدد ضد الشرك قد ينجيه من الشرك!هيهات.هو واهم.
متى ما اعتمد الشخص على أشخاص في تعريف الشرك فقد أشرك! ومتى ما أطاعهم في ايقاع هذا التعريف فقد أشركهم مع الله في إنتاج الأحكام!
الشيطان بارع؛ وعلى هذا فأحرص الناس في محاربة الشرك قد يقعون في الشرك من هذا الباب؛ لأنهم يأخذون مفهوم الشرك من أشخاص ومذاهب - يشركون بهم - لا من الله! فمثلاً؛ قد يعدون السجود شركاً بإطلاق؛ والطواف حول شيء عبادة له = شركاً؛ ومناداة شخص عبادة له = شركاً؛ وهذه الأحكام الخاطئة سببها شركه هو بأشخاص؛ فالسجود؛ مثلاً؛ لا يعد عبادة بإطلاق؛ وإلا لكان الله قد أمر ملائكته بالشرك؛ ويكون يعقوب قد أشرك.. الخ؛ فالسجود وحده لا يكفي؛ لا بد من وجود نية عبادة.
اذاً؛ فالحكم على كل من سجد لغير الله بأنه شرك من الشرك؛ الحكم نفسه من الشرك. الحكم الذي لا ينظر لحال النية ؛ هنا سيكون من الشرك؛ لأنه تقليد محض. وكذلك؛ من يعد الطواف بشيء شركاً؛ بدون تفصيل لحال نية الطائف؛ فهذا شرك. فالجميع يطوفون حول الكعبة مثلاً؛ ولا يعد مشركاً؛ إلا من نوى عبادتها.
وكذلك؛ من يعد تكفير بعض الصحابة من الشرك؛ فهذا الحكم نفسه من الشرك! لأن المعتقد هذا يكون قد أشرك البشر في إنتاج معاني للشرك لم يذكرها الله؛ وكذلك؛ من يعد (التقديس للأشخاص) من الشرك؛ يكون قد أشرك الرأي العام في تعريف التقديس؛ ولم يأخذه من الله ولا من رسوله؛ التقديس تطهير فقط؛ لا شرك. وكذلك؛ من يزعم أن نداء الأشخاص والاستغاثة بهم من الشرك؛ فالحكم بهذا شرك؛ لأن الذي يحكم بهذا إنما أخذ معنى الشرك والحكم به من البشر؛ لا من الله.
الخلاصة:
أنك عندما تعد أمراً ما من الشرك، فقد تكون أنت المشرك
في أخذ المعنى من غير الله = من شيخ أو مذهب؛ فتكون مشركاً في إطلاقه؛ وفي تطبيقه. لذلك؛ ليحرص المساكين على التأكد من هذا الأمر أنه شرك - شرعاً لا مذهباً - لابد من تقوى الله. أما إذا استغنى الفرد بشيخه ومذهبه؛ فهذا شرك.
لذلك؛ قد يزعجك بعضهم بأمر يعدونه شركاً؛ ولما تسألهم عن الدليل تجد دليلهم شركاً؛ أعني يتبعون أناساً - قد أشركوا من قبل - ولا يتبعون ما أنزل الله.
عندما يصفون ذنوباً بأنها شرك؛ هذا من الشرك؛ فكيف إذا وصفوا مباحات بأنها شرك؟ كالتقديس مثلاً؛ يظنونه شركاً؛ وهم يسمعون (الأماكن المقدسة) كل يوم!
وسبب ظنهم أن التقديس شرك هو شركهم؛ أي أنهم يشركون الرأي العام في إنتاج الأحكام الشرعية؛ فالرأي الشعبي عندهم مصدر تشريع؛ وهذا شرك لا يشعرون به؛ والحجة قائمة. فهم يقرؤون القرآن ويجدون - مثلاً - الآية ( الواد المقدس طوى)؛ لكنهم يحكمون بشرك التقديس من الرأي العام؛ وليس من الله..
هذا شرك!
وعلى هذا فقس؛ والشيطان بارع في إدخال الناس في الشرك من باب الحرص على محاربته.
نعم؛ انتهى شرك التماثيل والأشجار؛ ولكنه بقي شرك السادة والأحبار.
من أراد أن يعرف الشرك الحقيقي الذي أقصده؛ والشرك الوهمي الذي يتوهمونه؛ فليتخيل أحدكم أنه أحد الملائكة يوم السجود لآدم! ماذا ستكون نيته؟!
الجواب عن العاقل منكم: ستكون نيتي الاستجابة لله في تكريم - لا عبادة - هذا المسجود له (آدم)؛ العبد المخلوق؛ لا الخالق؛ أما الأحمق فسيحتار ! الأحمق سيحتار لماذا؟ لأنه لا يعرف كيف ستكون نيته؛ ولا يرى سجوداً لغير الله إلا شركاً؛ لا يتصور أن هناك سجوداً بلا اعتقاد في ألوهية المسجود له؛ هم لا يتصورون نية سجود إلا نية عبادة.
قد يقول بعضهم : ((الحمد لله أني لم أكن من الملائكة))! تزكية شيطان؛ عقولهم لا تعقل سجوداً بلا عبادة!
السبب في حيرتهم هو الشيطان؛ هو من أعطاهم معنى الشرك؛ وزكاهم بأنهم أنقياء من الشرك! ثم جرأهم على احتقار الآخرين بأنهم مشركون!
حرفنة شيطانية!
الشيطان لا يأتيك في صورة؛ يأتيك في أوليائه؛ في تراكمه الكبير؛ في قلبك؛ في غضبك؛ في حبك للمدح والفخر؛ في مجالستك الأنداد الذين تحبهم كحب الله!
هذا التشويش في الشرك والعبادة سببه الشيطان؛ قال: "لا يكون السجود إلا لله"؛ ويجعلنا ننسى الأمر الإلهي بالسجود لآدم؛ وسجود يعقوب ليوسف..
ما الحل؟
الحل يكمن في مراقبة النية؛ سجود المشركين لغير الله كان مصحوباً بنية أن المسجود لهم آلهة؛ وسجود الملائكة ويعقوب تصاحبها نية أخرى مختلفة.. وبس!
لا تظنوا أننا قد أحكمنا الألفاظ الكبرى؛ كالعبادة والتوحيد والإسلام والشرك والنفاق الخ؛ إلى الآن هي ألفاظ غير محررة ولا مفهومة؛ نحن مستعجلون! التواضع أول الطريق..
تواضع؛ وتعوذ من الشيطان؛ ولا تخاصم بالدين؛ وإنما تعلم الدين؛ وابحث معاني ألفاظ القرآن من القرآن؛ ثم بعد ذلك ، تكلم كما شئت.
هؤلاء الجهلة - الذين يرمون الناس بالكفر والشرك لأمور لم يفهموها ولم يبحثوها؛ ولم يعرفوا ما يجب أن يصحبها من النيات والأحوال... - فيهم شرك الكبر؛ ولذلك؛ تجدهم يحملون النظريات (الجاهزة) من شيوخهم الذين فيهم المرض نفسه؛ فلا يتواضعون؛ ولا يبحثون؛ ولا شيء! خلاص؛ مكتفون بالمذهب عن الله ورسوله!
لابد أن تشعر في كل وقت بأنك فقير إلى الله. لا يجوز أن تشعر يوماً بأنك مستغنٍ عن الله وتعليمه وتسديده وإرشاده (إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)؛ فمثلاً؛ لو كنتَ من الملائكة لما تحرجت في السجود لآدم - بعد الأمر الألهي - ولو كنتَ نبياً كيعقوب؛ لما تحرجت في السجود ليوسف - بعد العلم الإلهي ؛ لكن؛ لأنك جاهل؛ ولست في علم الملائكة ولا الأنبياء؛ ولا قدرة لك على التفريق بين نية ونية؛ ولا قدرة لك على فهم أوامر الله؛ فلذلك ستشعر بالحرج! طبيعي.
نعم؛ اليوم - أنا على المستوى الشخصي - لا أرى السجود لأحد، لا بشر ولا قبر ولا ولي؛ لكني لا أرمي الساجدين بالشرك؛ لأني أعلم أنهم لا يقصدون عبادة؛ لسنا دعاة سجود لأحد؛ لكننا دعاة فهم وعلم. افهم قبل أن تحكم؛ لابد أن تعلم النية.
الممثل الذي يركع للجمهور؛ هل يقصد الركوع عبادة؟
افهموا؛ صحصحوا.
كنت أيام المتوسطة والثانوية؛ إذا رأيت مسرحية في التلفزيون؛ مثل ( شفيق يا راجل)؛ ثم أراهم نهاية المسرحية ينحنون للجمهور (ركوع)؛ أظنهم قد أشركوا! لم أكن أستطيع مراقبة النية ولا أفهمها؛ كذلك الغلاة اليوم؛ هم مثلي أيام المتوسطة؛ لا يستطيعون أن يفهموا ركوعاً ولا سجوداً إلا عبادة فقط!
رمي الناس بالشرك دون فهم لطبيعة الناس ونياتهم وعاداتهم وأحوالهم جهل وظلم؛ إذا عرفت أن فلاناً قد ركع أو سجد عبادة ..عندئذ كفره؛ لكن قبل ..لا. إذا لم تتعلم وأصررت على رمي الناس بالشرك – تكبراً - ففيك شرك بالمعنى القرآني؛ أي اتباعك للسادة والكبراء والأحبار والرهبان وما ألفيت عليك آباءك.
الله نهى عن السجود للشمس والأصنام لأنهم يسجدون بنية عبادة؛ مثلما نهى عن طاعة السادة والكبراء؛ لأن في طاعتهم معارضة لطاعة الله ورسوله.
دققوا..
السجود والطاعة والاتباع والتعظيم وغير ذلك ... يجب أن نعرف ما يجوز منها وما لا يجوز؛ لا أن نحكم بالشرك على كل سجود وكل طاعة وكل اتباع ..الخ؛ قد تكون طاعة غير الله معصية؛ لكن لا تخرجه من الدين بها؛ هناك فرق بين أن تقول طاعة فلان لفلان وتعظيمه إثم وذنب؛ وبين أن تقول هو مشرك ويجب قتله؛ وكذلك؛ إذا رأيت من يتبرك بقبر أو شخص ميت أو حي؛ هناك فرق بين أن تخطئه في فعله؛ وأن تكفره وتستبيح دمه .. فرق كبير جداً. التخطئة عادية.
لو علمت نية هذا الساجد؛ أو هذا المنادي لغير الله : يا محمد ، يا علي ، يا جيلاني؛ أو هذا الراكع أمام الجمهور؛ لو علمت بأنه يريد العبادة لكفرته؛وأنا شخصياً لا أستمزج كل ما أراه من وضع خد على قبر؛ أو تقبيل شباك؛ أو ركوع أمام جمهور؛ لكن لا أجعل مزاجي ديناً؛ مزاجي مزاج فقط؛ وهم مسلمون.
لن أحكم على شخص بالشرك وهو في حقيقة نفسه له نية غير النية التي أتوقعها؛ لابد أن أفتش عن قلبه أو يعترف؛ الأولى مستحيلة. الثانية نعم؛ إذا اعترف؛ بل حتى هنا لابد من قيد؛ فقد يكون اعترافه كاذباً من أجل أن يغضبني فقط؛ فلابد أن اقول: إذا صدق في زعمه أنه يعبد هذا الولي أو هذا الجهور فقد كفر؛ فإذا اعترف ذلك المتبرك بقبر؛ أو الممثل في مسرحية؛ أو المنادي : يا محمد؛ إذا اعترف وقال لي: نعم؛ أردت عبادة هذا القبر أو هذا الجمهور؛عندها سأكفره.
الكفر يتعلق بالقلب (جحود/ عناد/ كبر عن تقبل الحق)؛ والشرك يتعلق بالعقل (اشتباه/ وهم / ظن..) وهو أوسع من الكفر؛ بل لا يكاد ينجو منه مسلم. وكل من تسمى بالدين وقال إنه مسلم فله أحكام المسلمين؛ ولو كان في حقيقته كافراً أو مشركاً؛ كحال المنافقين؛ اللسان يكفي في إعطاء حقوق المسلمين.
في أيام النبي؛ يأتي منافق وينطق الشهادتين؛ وخلاص، حكمه في الدنيا مسلم؛ وله حقوق المسلمين كلها؛ حتى لو كان حكمه عند الله الكفر؛ وفي الآخرة النار.
الشيعي والسني وغيرهم مسلمون؛ ولو كان كافراً في الباطن. لا يجوز أن نزايد على الله ورسوله؛ فالله ورسوله أمضيا للمنافقين - في الدنيا - حقوق البدريين.
المشكلة في المتكبرين بالجهل؛ يظنون أنهم على علم عظيم! ما شاء الله عليهم! وينظرون بكسرة عين إلى كل المسلمين على أنهم مشركون! أعوذ بالله من الكبر.
لو أقبل كل شخص على نفسه؛ وقال بخشوع : (اللهم علمني وسددني فإني فقير إليك لا إلى سواك)؛ لتقبله الله ورحمه وعلّمه؛ لكن يمنعهم الكبر والغطرسة.
سلام الله على الإمام علي عندما قال: (إنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظّم).
اللهم إنا نعوذ بك من التعاظم والتكبر والجهل ومرض القلوب.