الامام المهدي.. المصلح الكبير والمنقذ الموعود
* جميل ظاهري
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي إثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي قيل: يا رسول الله ومن أخوك؟ قال (ص): علي بن أبي طالب. قيل فمن ولدك؟ قال (ص): المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب”- جاء في "فرائد السمطين” آخر ج2 للعلامة الحموينيّ، و”ينابيع المودة” للقندوزي ج3 ص395، و”غاية المرام” للعلاّمة البحرانيّ ص 43 و ص 692 .
هناك آيات قرآنية مباركة وأحاديث نبوية شريفة كثيرة تؤكد على وجود الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وانه حيّ يرزق وقادم لا محالة لانقاذ البشرية جمعاء من الظلم والطغيان والجبروت والعنف والتزييف والتزوير والتحريف والنهب والدمار وإستباحة المحرمات وإنتهاك المقدسات والتي نشهد جانباً منها في عصرنا الحاضر بتزييف الدين الاسلامي المحمدي الأصيل وتحريفه ببدع فتاوى وعاظ السلاطين وعبدة الدرهم والدينار الذين أباحوا المقدسات وأفتوى بالتفخيخ والتفجير وتكفير الآخر وإستباحة دمه وعرضه وماله ووطنه إستمرارية للنهج الأموي الانحرافي الجاهلي القبلي .
مصلح الأمة الكبيرة ومنقذ البشرية الأمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف (محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام) والذي نحتفل هذه الأيام بذكرى مولده المبارك والشريف قائم قادم لا محال تعترف به جميع الأديان السماوية وحتى المكاتب الآخرى، حيث المجتمع البشري بانتظار قدومه المبارك لإعادتهم نحو طريق الدين الحنيف وأقامة العدالة والقسط وبث روح الحياة والسماحة والتعاون وهداية الناس نحو النور والعلم والحكمة والحنكة والتعقل والتدبر والتفاهم والتعايش السلمي والاخلاق الحسنة ووحدة الكلمة التي جاء بها جده خاتم المرسلين رحمة للعالمين الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أكثر من 14 قرناً وأربعة عقود .
قال الله سبحانه وتعالى: "وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ"- الانبياء:105؛ وقال ايضاً: "وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ"- القصص:5؛ وايضاً: "الم * ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ" البقرة:1-3؛ وآيات اخرى يمكن الاشارة اليها منها: "الانبياء:105"، و" الشورى:1-2، و" لقمان:20"، و"البقرة:148"، و"التوبة:36"، و" الصف:8و9"، و"يونس:20"، و"الحديد:17".. كما جاء في تفسير علي بن ابراهيم، والامام أبي إسحاق الثعلبي، وغيبة النعماني، وتفسير العياشي، والشيخ الصدوق، وأبي بصير، والشيخ القمي، وابن عباس وغيرهم من كبار رواة ومفسري العامة والخاصة.
آيات عديدة تشير بدلالة ووضوح كسطوع الشمس وبزوغها على وجود المنتظر الموعود الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حيّ يرزق بين الخلق منذ ولادته في يوم 15 شعبان سنة 255 للهجرة القمرية المصادف ٢٩ يوليو ٨٦٩ ميلادي، أي قبل 1147 عاماً وذلك بمدينة سامراء شمالي العاصمة العراقية بغداد؛ فمنذ تقادم العصور وتعرض البشرية الى ظلم واضطهاد متزايد وفرعنة الطغاة والمتجبرين، والأمم تتطلع لظهور رجل مصلح منقذ ليحررها من نير الذّل والعبودية والاضطهاد والاستحمار والاحتقار والجاهلية وعبادة الاصنام نحو بر الأمان والنور والحقيقة والعدالة والوحدانية، وظلت ترنيمة المصلح والمخلص الموعود ترددها البشرية جمعاء وتلهج بها الشعوب بمختلف معتقداتها وتوجهاتها ودياناتها.
قضية ظهور المصلح والمنقذ للانسانية من التوحش والظلم والطغيان والاستعباد والعبودية للمخلوق دون الله سبحانه وتعالى، هي أصل مسلم عند جميع الأديان السماوية ، ولكن تجد هذه القضية أكثر جلاءً وأوضح استدلالاً في ديننا الاسلامي الحنيف الذي جعل من هذه القضية أصلا إعتقاديا تتوقف عليه جملة من الأمور وقد نصّ على أهمية هذا الموضوع كتاب الله العظيم ورسوله الكريم والأئمة الطاهرين وكذا السلف والخلف .
وبشائر وتنبؤات كثيرة حول المهدي الموعود، وظهوره نجدها في ما وقع بأيدينا من الكتب السماوية المقدسة وآثار السلف الأخرى وما وصلنا من مقولات الحكماء القدامى، وقد جمع بعض المتتبعين قسماً من هذه البشائر والأقوال. بل حتى الآثار المصرية القديمة توجد منها دلالات وإشارات حول المصلح والمنقذ.
اليهود ومنذ قبل أن يبعث نبينا عيسى (عليه السلام) وبعد ذلك كانت ولا تزال تنتظر موعودها المؤمل، فقد أشير باستمرار الى الموعود في آثار الديانة اليهودية، وأسفار التوراة وكتب اخرى.. ومنها ما جاء في كتاب "نبوأة هيلد" معناها وحي الطفل؛ ورغم أن البشارة بالنبيين العظيمين قد وردت في كتب اليهود أنفسهم لكنهم تعمدوا برفض رسالة الحق التي جاء بها النبي عيسى (ع) وكذا الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)، لكنهم سيرغمون القبول بالموعود بحد سيفه عجل الله تعالى فرجه الشريف كما يصرّح بذلك القرآن الكريم والسنة الشريفة (كتاب دانيال النبي، وكتاب حجي "حكي" "حقي" النبي، وكتاب حفينا النبي وكتاب أشعيا النبي).
كما جاء في زبور داوود (عليه السلام) أيضاً أفكار بهذا الصدد كما تحدث القرآن، وثبت مبدأ غلبة الصالحين حيث قال: "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" - الأنبياء 105 .
أما في الديانة المسيحية، فقد بشرنا سيدنا عيسى (عليه السلام) بظهور نبي آخر الزمان وبأوصيائه الإثنا عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) وبقي ذلك راسخاً في التراث المسيحي، ففي الفصل السادس والتسعون من إنجيل برنابا المترجم من الانجليزية. يسأل الكاهن السيد المسيح (عليه السلام): هل أنت مسيح الله الذي ننتظره؟ أجاب يسوع: حقاً إن الله وعد هكذا ولكني لست هو لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي.
أجاب الكاهن: إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي (مسّيا)؟
أجاب يسوع: لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست (مّسياً) الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلاً: بنسلك أبارك كل قبائل الأرض ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة اخرى هذه الفتنة الملعونة بأن يحمل عدم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله، فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يبقى ثلاثون مؤمناً، حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله، الذي سيأتي من الجنوب بقوة، وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام، وسينزع من الشيطان سلطته على البشر، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، وسيكون من يؤمن به مباركاً.
وجاء في الفصل السابع والتسعون: ومع أني لست مستحقاً أن أحلّ سير حذائه، وقد نلت نعمة ورحمة من الله لأراه... ثم يستطرد قائلاً: إن اسم (مسيّاً) عجيب لأن الله نفسه سماه لما خلق نفسه ووضعها في بهاء سماوي.
كما جاء ذكر الموعود المنتظر في المعتقدات الصينية، ففي كتاب أوبانيشاد. المقدمة صفحة 54 ما نصّه "حينما يمتلىء العالم بالظلم يظهر الشخص الكامل الذي يسمى (يترتنكر: المبشر) ليقضي على الفساد ويؤسس للعدل والطهر... سيُنجي كريشنا العالم حينما يظهر البراهميتون.
وجاء في كتاب ريك ودا، ماندالاي ص 4 و24:
يظهر ويشنأ بين الناس.. يحمل بيده سيفاً كما الشهاب المذنب ويضع في اليد الأخرى خاتماً براقاً، حينما يظهر تكسف الشمس، ويخسف القمر وتهتز الأرض.
وكذلك الديانة الزرادشتية، جاء في كتبها من الأخبار الكثيرة حول آخر الزمان، وعن ظهور الموعود الذي سيخلص البشرية من الكبت والحرمان ومن ضغوط الحكام الطواغيت الذين يسعون في الأرض فساداً ومن جملة هذه الكتب كتاب أوستا، وكتاب زند، وكتاب رسالة جاماست، وكتاب قصة دينيك، وكتاب رسالة زرادشت.
وقد طرحت الديانة الزرادشتية موعودين يطلق على كل منهم اسم ((سوشيانت)). وكان هؤلاء الموعودون ثلاثة، أكثرهم أهمية الموعود الثالث، وقد كانوا يلقبونه ((سوشيانت المنتصر)) وسوشيانت هذا هو الموعود حيث قالوا "إن سوشيانت المزدية بمثابة كريشناي البراهمة، وبوذا الخامس لدى البوذية، والمسيح لدى اليهودية، وفارقليط عند العيسوية، وبمنزلة المهدي لدى المسلمين".
وجاء في كتاب شابوهرجان، من الكتب المانوية المقدسة عندهم: "خرد شهر إيزد لابدّ أن يظهر في آخر الزمان وينشر العدل في العالم...
سوشيانت، من الكتب الزرادشتية المقدسة جاء فيه "استوت إرت، سوشيانت أو ألمنقذ العظيم. سوشيانس، أو موعود آخر الزمان.. وسيلة وعلاج جميع الالام به، يقتلع جذور الألم والمرض والعجز والظلم والكفر، يهلك ويسقط الرجال الأنجاس.. وكذا في رسالة جاماسب، صفحة121: "سينشر (شوشيانت، المنقذ) الدين في العالم فكراً وقولاً وسلوكاً" .
وهذا ليس آخر المطاف بل حتى البوذية تعتقد بظهور المنقذ المصلح، فقد ورد في بعض المصادر والدراسات أن مسألة الانتظار قضية مطروحة في الديانة البوذية (ففي الأعراف البوذية) كان هناك انتظار، والمنتظر هو بوذا الخامس.
كما جاء في المعتقدات الهندية الحديث حول المنقذ والموعود في أعراف الهنود وكتبهم، مثل كتاب (مهابهارتا) وكتاب بورانا (burana) شرح تفصيلي حول مرحلة العصر الكالي (kali) يعني: آخر مرحلة قبل ظهور أو تاراي ويشنو العاشر.