العنصرية تجرُّ أوروبا الى الفتنة الطائفية
سركيس ابو زيد
إزاء الهواجس التي تعيشها أوروبا من قِبَل المهاجرين وطالبي اللجوء إليها، وبغرض تنظيم أكثر للهجرة غير الشرعية، وقعت أوروبا مؤخراً اتفاقاً مع تركيا لإغلاق المسار الرئيس الذي سلكه أكثر من مليون شخص للوصول إليها، معظمهم فروا من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وآسيا وافريقيا. ونص الاتفاق جاي كما يلي:
- أن يُعاد إلى تركيا جميع المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى اليونان، وقد تعهدت تركيا بقبول عودتهم منذ 20 آذار.
- وتنص الخطة أيضا على أنه في مقابل كل سوري يُعاد إلى تركيا، يتم قبول سوري آخر في بلد أوروبي في حدود 72 ألف شخص.
وقد قبل الأوروبيون لقاء ذلك تقديم ما يصل إلى ستة مليارات يورو لتركيا، وإحياء مباحثات انضمامها للاتحاد الأوروبي، وتسريع عملية إعفاء الأتراك من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وبموجب هذا الاتفاق نشر الحلف الأطلسي عدداً من السفن الحربية المكلفة مراقبة شبكات تهريب المهاجرين في بحر إيجه.
ومؤخراً أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى اليونان آتين من تركيا، بدأ بالتزايد من جديد، ما يبرز حجم الضغوط التي تتعرض لها جهود إغلاق هذا المسار. في المقابل صَعّدت أنقرة، التي وعدت شعبها بإعفائهم من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية حزيران لهجتها، مهددة بعدم احترام الاتفاق إذا لم يفِ الأوروبيون بالتزاماتهم. وأكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، أن على أوروبا حماية حدودها لتفادي الخضوع لعملية "ابتزاز" تمارسها دول مجاورة لها في قضية المهاجرين. وكتب توسك في مقالة بصحيفة "لو فيغارو" الفرنسية: "لا أحد سيحمي حدودنا بدلاً منا. لا يمكننا تسليم مفاتيح أراضينا إلى دول ثالثة". وهذا ينطبق على تركيا كما على دول شمال أفريقيا.
وبالإضافة إلى اليونان انضمت سلوفينيا إلى دول يوغوسلافيا السابقة (مقدونيا وصربيا وكوسوفو وكرواتيا) في إغلاق حدودها أمام أمواج اللاجئين، ما أدى إلى تجمع عشرات الآلاف من هؤلاء في اليونان، في ظروف صعبة للغاية بسبب عجز اليونان عن توفير الحد الأدنى لهم، بسبب مشاكلها الاقتصادية المتراكمة منذ 2008 .
و لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد وجهت الدول الأوروبية انتقاداتها إلى ألبانيا التي كانت لديها تجربة خاصة مع الهجرة في اتجاهين حيث لجأ أكثر من مليون ألباني الى إيطاليا واليونان في 1991 – 1995، كما استقبلت أكثر من نصف مليون لاجئ كوسوفي خلال 1998-1999. وبعد إغلاق مقدونيا حدودها مع اليونان، لم يبقَ أمام اللاجئين المتدفقين من الشرق الأوسط سوى الاستدارة نحو ألبانيا للوصول الى الجبل الأسود ومنها الى صربيا أو البوسنة. فألبانيا تبقى المنفذ الوحيد باتجاه أوروبا الغربية. ففيها عدد لا يحصى من الممرات السالكة، ما يجعل وصول ألبانيا ممكناً بسهولة دون المرور على المنافذ الحدودية الثلاثة.
اوروبا بيئة لنمو العنصرية
لكن القلق هنا لا يقف عند البوابة الألبانية وحدها، فالصحافة الايطالية امتلأت بالمقالات والتقارير التي تحذر من وضع إيطاليا مجدداً. فبالإضافة إلى الطرق البرية، هناك المسار البحري، فألبانيا لديها ساحل طوله يقارب 500 كيلومتر مقابل إيطاليا. يفصل بين الدولتين ممر البحر الأدرياتيكي، المتفرّع عن المتوسط، ما يجعل المسافة بين الساحل الألباني والإيطالي نحو 70 كيلومترا فقط. هي مسافة يمكن قطعها بالقوارب المطاطية، كما وردت في تحذيرات مسؤولين وخبراء.
هذا يوصلنا في السياق نفسه إلى أن التقديرات بفشل سياسة الإغلاق الحدودي، بقيادة النمسا، بثتها أيضاً الحكومة اليونانية، المعارضة لها بشدة، لكنها لا تعلن ذلك. ونتيجة لذلك أتت استقالة مستشار النمسا فيرنر فايمان، زعيم "الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، من كافة مامه تحت الضغوط، بعد أسبوعين من الانتكاسة التي مُني با حزبه أمام التيار اليميني المتطرف المناهض للهجرة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية.
وخسر الحزبان الرئيسيان (الاشتراكي والشعب) وهُزما أمام حزب الحرية اليميني المتطرف، واستفاد اليمين المتطرف من حالة الاستياء المتزايدة إزاء الهجرة بعد أن استقبلت النمسا العام الماضي 90 ألف طالب لجوء، ما أدى إلى زيادة ارتفاع نسبة البطالة أثناء فترة حكم الحزبين، الأمر الذي انعكس على فقدان النمسا لقبها بأنها أقل دول الاتحاد الأوروبي من حيث معدلات البطالة. يُضاف إليه مواجهة الائتلاف صعوبات تتعلق بالإصلاحات الهيكلية.
وغير بعيد عن النمسا، عقد حزب "البديل لألمانيا" اليميني الشعبوي مؤتمره في شتوتغارت متناسياً أزمة اليورو أو تدفق اللاجئين، على حساب اعتماد انتقاد الإسلام محركه الانتخابي الجديد. ويرى "البديل لألمانيا" الذي أنشئ في ربيع 2013 وبات ممثلاً في البرلمان الأوروبي ونصف البرلمانات المحلية في البلاد، في الإسلام محركاً محتملاً لشعبيته. وبين الاقتراحات التي رفعت للتصويت في مؤتمر شتوتغارت، برز منع رموز إسلامية، بينها المآذن والأذان والحجاب، علماً ان قادة في الحزب اعتبروا الإسلام "غير متوافق مع الدستور"، ووصفوه بأنه "إيديولوجية سياسية" و"أكبر خطر على الديمقراطية والحرية".
ووجه سياسيون من الأحزاب المشاركة في حكومة المستشارة أنغيلا ميركل انتقادات واسعة لإعلان حزب "البديل لألمانيا" في ختام مؤتمره بشتوتغارت والذي شارك فيه ألفا مندوب "أن الإسلام ليس جزءاً من المشهد في ألمانيا، وأنه يجب حظر المآذن والأذان والنقاب في البلاد". في المقابل تعالت صيحات الاستهجان لدى إلقاء البعض كلمات أكثر اعتدالاً دعت "إلى فتح حوار مع الإسلام والمسلمين". وقال أحد المندوبين "إن الإسلام في حد ذاته سياسة"، في حين تناول مندوب آخر مواضيع الشريعة، والعمليات الانتحارية، والزيجات القسرية في الدين الإسلامي. وأيدت غالبية حزبية حظر ذبح الحيوانات على الشريعة الإسلامية واليهودية.
أوروبا ما زالت عاجزة أمام إيجاد حلٍ لمشكلة المهاجرين وطالبي اللجوء الانساني، في ظل تنامي الخطاب السياسي المتطرف أمام الخطاب الديني المتطرف أيضاً الذي يُحرض عليه "داعش" وسط دعوات لأنصاره للقيام بعمليات انتحارية تهز استقرار أوروبا الأمني، وعبر التلويح بأن هؤلاء اللاجئين سيغيرون الهوية الأوروبية المتمثلة بالمسيحية عبر أسلمة أوروبا، هذا الهاجس الأوروبي في تنامي الإسلاموفوبيا استفاد منه اليمين المتطرف الذي وجد فيه فرصة سهلة ووسيلة لتحقيق مكاسب سياسية وفي الوصول إلى مراكز القرار الأوروبي. فهل ستشهد أوروبا، فتنة طائفية مسيحية إسلامية؟... احتمال غير مستبعد وقد يتخذ اشكالا مختلفة...