لماذا اشترت السعودية الأرض المصرية ؟
أحمد الحباسى
لا أدرى لماذا قامت الدنيا و لم تقعد لمجرد بيع الرئيس المصري لجزء من التراب المصري للنظام السعودي مع أن الله قد حلل البيع و حرم الربا ، و على حد علمنا فقد قبض الرئيس ” الثمن ” بالدولار النفطي ، لماذا قام الإعلام المصري بتلك الحملة الظالمة على رئيس مسافة السكة و لماذا نزلت الجموع الحاشدة منادية بسقوط حكم العسكر و مناهضة لعملية البيع ، طبعا نحن لا نعلم لماذا باع الرئيس المصري الأرض المصرية للنظام السعودي و لا ندرى حقيقة ماذا حدث داخل الغرف المغلقة المصرية و بالذات بين الملك و الرئيس جنى يمضى الرئيس و يسجل الملك الأرض المصرية في الشهر العقاري كما يقال في الأعمال الفنية المصرية ، لكن من واقع الخبرة التي نملكها نستطيع القول أن ما يجر الإنسان إلى المر إلا ما هو آمر بمعنى أن الرئيس قد وجد نفسه مضطرا لبيع قيراطين من الأرض المصرية حتى يشبع بطون تسعين مليون مصري و الضرورات تبيح المحظورات .
بيع الأرض المصرية ليست سابقة كما يظن البعض ، فالسلطة الفلسطينية و بعض الشخصيات الفلسطينية في حركة فتح باعوا الأرض الفلسطينية بدون مقابل ، أيضا باع السودان في عهد الرئيس الفار من العدالة الدولية عمر البشير نصف الأرض السودانية الغنية بالثروات الطبيعية للموساد الصهيوني و لبعض القيادات المشبوهة التي تحكم جنوب السودان ، و حتى الذين لم يبيعوا الأرض العربية فقد باعوا ما هو ثمين أيضا و هو الشرف و الرجولة و المبادئ و هؤلاء يمثلون أكثر من ثلاثة أرباع الحكام العرب و جمع غفير من الشخصيات الثقافية و المدنية و العسكرية ، و إذا غلف الرئيس المصري الراحل عملية بيع سيناء و بيع القضية الفلسطينية بغطاء الشعار الذي صنعه الإعلام المصري كالعادة لستر عورات الأنظمة المصرية المتعاقبة و هو شعار ” رئيس الحرب و السلام ” ، فان النظام السعودي قد اشترى الأرض المصرية ببعض الريالات البائسة للتعتيم على خيبته و نكسته المرة في اليمن ، ليقول لهذا الشعب السعودي أن الاستثمار في هذه الأرض المصرية سيغطى كل المصاريف الخيالية للحملة العسكرية المشئومة في اليمن .
الشعب المصري شعب حسن النية كغيره من الشعوب العربية ، كثيرا ما ابتلع الطعم لينتهي على خيبة مرة تعيده إلى رشده ، هو من صدق شعار لا صلح لا تفاوض لا اعتراف فصارت السفارات الصهيونية في الأرض العربية اشهر من نار على علم ، هو من ظن أن حرب 1967 هي انتصار فتبين أنها نكسة ، هو من لم يصدق زيارة السادات لإسرائيل فاستفاق على النشيد المصري يعزف في تل أبيب ، هو من صدق حرب العبور ليستفيق على ثغرة الدفرسوار الشهيرة ، هو من صدق الإخوان فاستفاق على تخابرهم مع العدو الحمساوى ، هو من صدق عبد الفتاح السيسى لينتهي إلى فضيحة بيع الأرض المصرية للنظام الصهيوني السعودي ، و خلال الزيارة السعودية الأخيرة ظن الشعب أنها زيارة الخير القادم من الرياض فتبين أن السعودية قد جاءت للقاهرة بإطماع الاستعمار الصهيوني ، و مهما قيل عن أهمية الأرض المباعة فالظاهر إن النظام السعودي قد سعى لإذلال القيادة المصرية و تعرية هشاشتها.
رغم استفاقة الشعب المصري و كشفه للفضيحة و رفضه إجازة عملية البيع المشبوهة فقد سبق السيف العذل ، فهل يمكن الحديث اليوم عن أن الثورة المصرية قد سقطت في العدم و أن الرئيس المصري قد خضع في نهاية الأمر للضغوط السعودية و لمتطلبات السياسة و بات أسيرا لقوى مصرية داخلية تدفع إلى عودة سياسة مبارك و عودة الحرس القديم بما يعطى الطمأنينة الكاملة للجانب الصهيوني و يسمح للسعودية بقيادة المنطقة في هذه الظروف الإقليمية المتشعبة ، و لعل زيارة الملك سلمان لتركيا هي تعبير فاضح على سقوط الدور المصري المحوري و سعى الرياض للتحالف الظرفى مع فكر الدولة العثمانية لضرب العلاقات التركية الإيرانية و إعطاء جرعة مساندة للجانب التركي في مواجهته الساخنة مع الجانب المصري على خلفية المواجهة الحامية بين النظام و الإخوان بعد سقوط عرش الرئيس محمد مرسى ، بالمحصلة يبدو أن عملية بيع الأرض المصرية ستكون بداية التنازلات المصرية المتعاقبة كما يبدو أن الشعب المصري المنهك سيرضى هذه المرة بخيار رغيف الذل في ظل الظروف الاقتصادية المتعسرة .