kayhan.ir

رمز الخبر: 37822
تأريخ النشر : 2016May01 - 19:36

النخب السياسية العراقية والإمتحان الأخلاقي

يوم السبت الثلاثين من نيسان / ابريل، كانت الاحداث المتسارعة التي شهدها العراق لا تسر محبيه بالمرة، واثلجت بالمقابل صدور اعداءه، الذين وجدوا في تلك الاحداث بارقة أمل قد تعيد العراق الى ما قبل 2003، او على الاقل الانتقام من كل الذين رفضوا حكم الطاغية صدام، وهم الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي.

من الخطأ، ان ننكر الحالة الاقتصادية المزرية التي يعيشها الشعب العراقي، والتي جاءت نتيجة الفساد الذي ضرب جوانب مهمة من العملية السياسية بسبب آفة المحاصصة الطائفية والقومية، وكذلك نتيجة الانهيار الامني بسبب الجماعات التكفيرية وفلول البعث، وداعميهم الاقليميين والدوليين، وضعف الادارة، واختراق الاجهزة الامنية من قبل الجهات المحسوبة على البعثيين والطائفيين والتكفيريين، ولكن ان تتحول الحالة الاقتصادية الى سبب في انهيار العملية السياسية التي بدات في العراق منذ 2003، وبالتالي انهيار العراق الجديد، فهذا يعني انهيار حلم ملايين العراقيين في العيش بسلام ووئام وكرامة في عراق خال البعثيين والتكفيريين.

قلنا ان من الخطأ انكار الفساد المستشري والاقتصاد المزري الذي يضرب العراق، ولكن من الخطأ الفادح ان تترك النخب السياسية العراقية، الفساد يلتهم حلم العراقيين، دون ان يحاربوه بشتى السبل ويقضوا عليه، لاسيما مع وجود شخصيات صاحبة نضال عريق ضد الدكتاتورية الصدامية، وشخصيات ذات كفاءة عالية في شتى المجالات، بين هذه النخب، بالاضافة الى وجود ثروات مادية وانسانية هائلة في العراق، وقبل كل هذا وذاك وجود شعب صابر ومتفهم ومضحي، طالما نزل الى الميدان في اصعب واعقد الظروف، الى جانب وجود المرجعية الدينية العليا التي لم تدخر وسعا في النزول بكل ثقلها في الميدان للحيلولة دون انزلاق العراق الى الفوضى والانهيار.

عندما نحمل النخب السياسية مسؤولية التصدي للفساد، فنحن نعي ما نقول، فالفساد الذي يتحدث عنه الجميع، هو للاسف شارك في خلقه الجميع، ومن الظلم تحميل الحكومة العراقية وشخص رئيس الوزراء مسؤولية كل ما يجري، فكلنا يعرف كيف تُشكل الحكومة في العراق، وما هي سلطة رئيس الحكومة على الوزراء، والبون الشاسع بين صلاحيات رئيس الوزراء في الدستور وقدرته على تنفيذ هذه الصلاحيات.

ما كنا نتمنى ان تتطور الامور في العراق الى الحد الذي اخذت فيه قنوات معروفة للعراقيين انفسهم قبل غيرهم، مدى كرهها للعراق والعراقيين، مثل قناتي "الجزيرة” القطرية و "العربية” السعودية، اللتان قامتا بتغطية مباشرة وشاملة وبدقة متناهية ل”الثورة” التي اندلعت في العراق ضد "العراق الجديد”، واقتحام مجلس النواب في المنطقة الخضراء من قبل انصار التيار الصدري، احتجاجا على رفع جلسة المجلس الى الاسبوع المقبل دون التصويت على استكمال التغيير الوزاري.

وسائل اعلام اخرى تحدثت عن انقلاب "الجماهير الشيعية على قياداتها الشيعية”، و "الصراع انتقل الى البيت الشيعي”، وانه "تم إخلاء عوائل المسؤولين من المنطقة الخضراء بالزوارق عبر نهر دجلة”، و”انه تم نقل رئيس الوزراء حيدر العبادي من منطقة الخضراء الى مكان امن”، و "تم الاعلان عن حالة الطوارىء في بغداد واغلاق منافذها بالكامل”.

الذي يحز بالنفس انه في ظل هذه الفوضى التي كانت تضرب بغداد، كانت "داعش” تخطط لاستهداف زوار الامام موسى الكاظم (عليه السلام)، ونجحت فعلا في تنفيذ الجريمة عندما فجرت سيارة مفخخة كانت متوقفة في طريق بمنطقة نهروان يسلكه الزوار المتجهون إلى ضريح الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، مما أدى إلى سقوط 14 شهيدا على الأقل وجرح 25 آخرين.

في ظل هذه الفوضى والاحتراب السياسي العقيم، والقاء السياسيين مسؤولية الفساد على بعضهم البعض، ومحاولة ركوب موجة الاستياء الشعبي، تبقى هناك شخصيات عراقية وطنية من النخب التي اشرنا اليها انفا، لم تغرق في هذه الفوضى وظلت بوصلتها تشير الى العدو الحقيقي للعراقيين والمتربص بهم الدوائر، ومن هذه الشخصيات ابطال الحشد الشعبي، الذين لم تغمض عيونهم لحظة واحدة عن "داعش” والبعثيين، ومن هؤلاء الامين العام لمنظمة بدر والقائد في الحشد الشعبي السيد هادي العامري، الذي وجه امس نداءً الى قوات الحشد الشعبي والى ألوية بدر للالتحاق بقواطع عمليات حزام بغداد، في إطار استعداد الفصائل المجاهدة للتصدي لأية هجمات قد يشنها إرهابيو "داعش” والمتصيدين بالماء العكر من أتباع البعث المقبور على العاصمة بغداد في محاولة منهم لاستغلال الأوضاع الامنية والأزمة السياسية الراهنة وتنفيذ أجندات تهدد أمن المواطنين.

ما حدث امس في بغداد، هو بمثابة ناقوس خطر ينذر بخروج الازمة السياسية في العراق عن نطاق السيطرة، وعلى النخب السياسية ان تعيد النظر في سياساتها ومواقفها، وان تتعالى عن المصالح الحزبية والفئوية والشخصية الضيقة، وان تسترشد بنصائح المرجعية العليا التي لا تريد سوى الخير للعراق والعراقيين دون استثناء، فهي امام امتحان اخلاقي صعب، اما ان تخرج منه مرفوعة الراس، او لا سمح الله، ستخسر نفسها قبل ان تخسر الشعب العراقي، ويكفي نظرة سريعة الى ردود الفعل التي اثارتها الاحداث التي شهدتها بغداد يوم السبت، لتقف هذه النخب السياسية، على حجم الفرحة التي عمت المتربصين بالعراق والعراقيين.

* شفقنا