العدوان ’الإسرائيلي’ على غزة هروب من إحتقان الضفة والقدس
حمزة الخنسا
كان لافتاً التوقيت الذي أطلق فيه العدو الإسرائيلي حملته على قطاع غزة. التبريرات التقليدية التي سوّق لها، لم تُصرف لا لدى جبهته الداخلية ولا لدى المجتمع الدولي، اللهم سوى عند بعض الأنظمة العربية المعروفة بتنسيقها التاريخي معه.
صعّد الإسرائيليون عدوانهم إثر تفاقم الغضب الشعبي الفلسطيني في القدس ومناطق الضفة الغربية، اثر خطف المستوطنين الفتى المقدسي محمد أبو خضير وقتله و التنكيل به.
العدوان سبق الإنتفاضة؟
لا يمكن تجاهل حالة الغليان التي كانت تسيطر في القدس والضفة فضلاً عن قطاع غزة. كانت المواجهات بين قوات الاحتلال والشبّان الفلسطينيين تشي بأن ثمة إرهاصات إنتفاضة جديدة تلوح في الأفق. تقول مصادر فلسطينية معنية، إن العدو الإسرائيلي هرب الى غزة مما كان ينتظره في القدس والضفة. تعتبر أن العدوان صار في لحظة معينة حاجة إسرائيلية للخروج من المأزق الذي أوجد نفسه فيه. فمن جهة، يسعى الإسرائيلي الى تلافي اندلاع أية تحركات شعبية في المناطق التي كان يعتبرها آمنة، ومن جهة أخرى يريد جنرالات العدو وضع حد لقدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة على إطلاق الصواريخ على المستوطنات والمناطق التي يحتلها الإسرائيليون.
مفاجآت من جديد!
الحسابات الإسرائيلية لم تتطابق مع تحضيرات المقاومة في غزة. الضربات المحدودة ولكن الفعّالة التي رغب العدو في توجيهها الى غزة، لم تثمر تحقيقاً لأهدافها. تقول المصار الفلسطينية إن عدوان "الجرف الصامد” تدحرج ككرة ثلج ما لبثت تكبر حتى غطّت صواريخ المقاومة القدس المحتلة وتل أبيب ومطار بن غوريون فيها، وعسقلان وأسدود وبئر السبع وحيفا وديمونا وهرتسيليا. مرة جديدة قرّر العدو فتح المعركة، لكنه أدرك أن قرار إنهاءها ليس بيده.
التقديرات العسكرية الإسرائيلية تتحدّث عن "أحداث غير متوقعة” تجري خلال المعركة. لا بنك أهداف دقيقاً يملكه حول منصات الصواريخ ومعابر المقاومين الآمنة التي تمكّنهم من إدارة المعركة. الحديث عن منظومة فشل القبة الحديدية في ردع صواريخ المقاومة، يتعالى من جديد. التقديرات الإسرائيلية تشير الى أن القبة، فخر الصناعة الدفاعية الإسرائيلية، لم تستطع ردع سوى نحو 25 الى 30% من مجمل أعداد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، فيما أكملت البقية الى أهدافها بدقة لافتة.
تكتيكات غير متوقعة
تقول المصادر الفلسطينية في هذا السياق، إنه رغم عمليات التطوير الهائلة التي أحدثتها القيادة الإسرائيلية على عمل القبة الحديدية منذ أن أثبتت فشلها خلال عدوان "عامود السحاب” الأخير، الى أن فصائل المقاومة تمكّنت من جديد من تعطيل قدرتها بنسبة كبيرة، وذلك من خلال إعتماد أسلوب الرمي المكثّف والمتعدّد الإتجاهات، فضلاً عن استخدام أنواع جديدة من الصواريخ في هذه المعركة. مثلاُ، تحدّث الإعلام العبري عن مفاجئة أربكت القيادات العسكرية الإسرائيلية مع إطلاق المقاومة الفلسطينية صواريخ "M 302” التي لم تكن ضمن قائمة التوقعات.
أيضا شكّلت عملية الكوماندوز البحرية التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في قاعدة زيكيم العسكرية الإسرائيلية،صدمة أضيفت الى لائحة المفاجآت. رغم الرقابة الإسرائيلية المشدّدة،بثّت وسائل إعلام عبرية آراء لمراقبين عسكريين إسرائيليين وصفوا فيها العملية بأنها "عملية نوعية مفاجئة”.
الهروب الى الأمام!
في هذه الأثناء، تجد القيادة الإسرائيلية نفسها مضطرة الى اللجوء الى مزيد من الغرق في وحول غزة. تتعالى الأصوات داخل غرفة العمليات العسكرية الإسرائيلية المطالبة بتنفيذ توغّل بري في غزة. ورغم الأصوات الأخرى المعارضة والمحذّرة من تداعيات مثل تلك الخطوة، تحدّت تقارير إسرائيلية عن تنفيذ خطة محدودة في غزة يتم بموجبها دخول قوات البرية الىمنطقة قريبة من الحدود تستهدف السيطرة على منصات صواريخ وقواعد ومقرات لقيادة المقاومة، يتم استخدامها فيمابعد كمركز للوصول الى أهداف أعمق.
وقالت هذه التقاريرإن الخطة نوقشت في المجلس الوزاري المصغّر وقيادة الأجهزة الأمنية، وعلى ضوئها تم استدعاء 40 ألف جندي احتياط، توجّهت قوة معزّزة منهم نحوحدود قطاع غزة.وأشارت التقارير إن رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو، لم يوقّع بعد على هذه الخطة، إفساحاً بالمجال أمام جهودالوساطات المعروضة ومنها المصرية والقطرية والتركية.
عضّ الأصابع.. فالحصاد
بالطبع ستسعى سلطات الإحتلال الى فرض تسوية، بنتيجة هذه الجهود، وفق شروط جديد تتيح لها ضمان أمن المستوطنات وتوجيه ضربات لفصائل المقاومة في حال الإخلال بالإتفاق المزمع. المصادر الفلسطينية ذاتها تقول إن الرهان الإسرائيلي على إنهاك الفلسطينيين في غوة، هو رهان مُجرّب وخاسر. أما الرهان على نفاذ مخازن صواريخ المقاومة فهو أقرب الى حلم مستحيل.
مع انطلاق العدوان على غزة، نشر جهاز "الشاباك” الإسرائيلي تقريراً حول قدرات فصائل المقاومة في غزة. قال التقرير إن فصائل المقاومة كافة، وعلى رأسها حماس، طوّرت قدراتها الصاروخية على نحو لافت. أشار الى أن الفصائل أنشأت شبكة أنفاق داخلية تمكّنها من الحركة بسهولة. كشف أن إيران تقف في خلفية هذه التطورات رغم كل ما حصل وقيل ربطاً بـ”الربيع العربي”.
من هنا، تشدّد المصادر الفلسطينية على أن العدو الإسرائيلي "أعمى” في هذا المعركة، فيما المقاومة تمتلك العصا السحرية. أما لعبة عضّ الأصابع فقد احترفها الفسلطينيون أصحاب النفس الطويل نتيجة عيشهم العراء، فيما الملاجئ الإسرائيلية تصيب ساكنيها بـ”ضيف نفس”.