kayhan.ir

رمز الخبر: 36210
تأريخ النشر : 2016April02 - 20:04

داعش الفرنسيّ ــ البلجيكيّ


لماذا دبّر تنظيم القاعدة في 11 ايلول 2001 هجوماً على برجي التجارة الدولية في نيويورك؟ لماذا اختيار بِناءين يرمزان إلى نظام دولي رأسمالي ـ ليبرالي، أو ببساطة إلى حضارة غربية، يهودية ـ مسيحية بحسب المصطلح الشائع؟ هل يندرج هذا الهجوم في إطار "صراع الحضارات”؟ البادئ أظلم!

لماذا قام تنظيم "داعش” هذه المرّة، في 13 تشرين 2015، بتفجيرات إجرامية في باريس، ثمّ كرّر ذلك في 22 آذار 2016؟ ما هي الفوارق بين "داعش” و”القاعدة”؟ أم أنّهما وجهان لعملة واحدة؟ هذا من ناحية، أمّا ناحية ثانية، هل من جدوى في البحث عن علاقة محتملة تربط هذه الأعمال الإرهابية في باريس ثمّ في بروكسيل بما يجري في سورية وفي العراق؟

ولكن يبدو أنّ "داعش” موجودٌ أيضاً في ليبيا، حيث يبسط سيطرته منذ حوالي السنة على مدينة سرت، وعلى حوالي 200 كلم من المناطق الساحلية الليبية إلى حدّ أنه أنزل قوات له بحراً إلى ليبيا، من دون أن يعترضه أحد. تستطلع قوات الحلف الأطلسي (التي تحالفت مع الإسلاميين) ليبيا على مدى الساعة، فهم يعرفون أين هي مواقع "داعش” وأن مجموع مقاتليه بلغ حوالي 6500. استنادا إليه، ليس مستبعداً أن نسمع قريباً أنّه حصل في ليبيا ما حصل في العراق، أي أنّ قنوات تواصل قد فُتحت بين أنصار العقيد معمر القذافي وبقايا جيشه من جهة، وبين "داعش” من جهة ثانية!

إنّ الانطباع العام من خلال متابعة ما يجري في دنيا العرب من "ثورات” وتقلّبات هو أنّ هذا كلّه يتمّ تحت إشراف ومراقبة الولايات المتحدة الأميركية وأعوانها في أوروبا. أو بتعبير أدقّ، الرّعيان غربيون والماشية هي "داعش”، كمثل رعيان البقر في أميركا أو الماعز في بلادنا. إذا ابتعدت المعزى ضربها الراعي من بعيد بالحجر.

أكتفي بهذه التلميحات إلى الراعي والماشية. ليس من حاجة إلى تكرار ما تناهى إلى العلم والسمع عن تجارة "داعش”، وعن مصادر إمداده بالعديد والعتاد، لأعود من بعد إلى مسألة التفجيرات الإرهابية في العاصمة البلجيكية التي تبنّاها بحسب وسائل الإعلام "داعش”. أتساءل، هل نحن حيال "داعش” واحد أم أنّ "داعش” هو مجرّد "توقيع” أو "خاتم” تستخدمه خلايا إرهابية إسلامية ليست بالضرورة على صِلة مباشرة ببعضها البعض، ولكن من المرجّح أنّها مُسيّرة بحسب نفس المبادئ؟

مهما يكن، فما يعنيني من هذا هو البحث عن الأهداف الحقيقية من وراء الإقدام على ارتكاب جرائم جماعية استعراضية، صادمة، في عاصمة كمثل باريس أو بروكسيل. لقد أرسلَ "داعش” سيارات مفخّخة إلى بيروت، وأعلن أنّ غايته من ذلك هي قتل أكبر عدد ممكن من "الشيعة”، انسجاماً مع دعوات أطلقها رجال دين في قصور آل سعود ومشايخ الخليج، تـُصوِّر الحرب على سورية بأنّها منازعة "دينية” بين "السنّة” من جهة، وبين "الشيعة” من جهة ثانية. وأنّ اللبنانيين داخلون فيها بما هي "حرب دينية” وليست حرباً وطنية قومية ضدّ النفوذ الإمبريالي ـ الاستعماري، كون "الشيعة” بالمفهوم الوهابي فئة مرتدّة مارقة عن الدين. تحسن هنا ملاحظة الذهنيّة البدويّة الإقصائيّة التي ترشح من الدعوات المذكورة، حيث يُخيّل للمرء أنّ مُطلقيها لا يحسبون حساباً للمسيحيين على سبيل المثال. إنّ رهافة الإحساس من التهذيب!

مجمل القول، إنّ الجماعات الإسلامية الإرهابية من طينة "داعش” والقاعدة، تُعلن الحرب على "الشيعة” كونهم مرتدّين، بالإضافة إلى احتضانهم لمقاتلي حزب الله الذين يشاركون في الدفاع عن سورية، بناءً على أنّ أمن لبنان هو من أمن سورية. ولكن لا ننسى أنّ هذه الجماعات وضعت المتفجرات في المدن السورية وفي المساجد السورية، فقتلت في أغلب الظنّ من السنّة أضعاف عدد الذين قتلتهم من غير السنّة. يلزم التذكير هنا بأنّ أحد رجال دين إمارة قطر أفتى بجواز قتل الأبرياء إذا تطلّب إسقاط النظام في سورية ذلك، فهؤلاء الأبرياء "سيكون حقّهم محفوظاً عند الله”، بحسب قوله. هذا فقه أهل النفط. إنّه يماثل فقه القرون الوسطى!

تجلّى هذا الفقه في ليبيا، حيث لا يوجد "شيعة”، ولكن الحاجة إلى جعل ليبيا معسكراً للإرهابيين ينطلقون منه شرقاً وغرباً في طول بلاد العروبة وعرضها برّرت، بحسب مفهومية آل سعود ورجال دينهم للدين وللانتماء العربي، قتل الأبرياء الليبيين بوساطة الصواريخ الباليستية والغارات الجوية الأميركية والأوروبية، وأفقدت الأحياء منهم الاستقرار والأمل في بلادهم.

أصِلُ الآن إلى السؤال الرئيسي: يقتل "داعش” الشيعة والسنّة على حدٍّ سواء، بالإضافة إلى أنّه يتفنّن في ارتكاب الجرائم البشعة في احتفاليات "شيطانية” يتمّ عرضها بالصوت والصورة، تنفيراً للناس من الديانة الإسلامية. أمّا السؤال فهو لماذا يرتكب "داعش” الجرائم البشعة في المدن الأوروبية؟

لن أتوقّف عند موضوع الذين "يتطوّعون” لتنفيذ التفجيرات الانتحارية في وسط جموع الناس، وتحديداً عند موضوع صحّتهم العقليّة. ولكنّي أشكّ شخصياً في أن تكون أهدافهم مشتركة مع الذين شجّعوا وساعدوا هؤلاء الانتحاريين على الإتيان بالفعلات التي ارتكبوها. إذ لا جدال في أنّ هذه الأعمال المستنكَرة أظهرت أمام الناس في أوروبا، بل في كل أنحاء العالم، صورة مُخيفة عن الإسلام. هذه الصورة تذكّرنا باحتفاليات قطع الرؤوس التي ينظّمها "داعش” في المدن السورية وسط تكبير الحضور. تذكّرنا بأنّ آل سعود أعدموا في يوم واحد 47 شخصاً من أهل نجد والحجاز. تذكّرنا بأنّ العالم التزم الصمت أمام الفاجعة السورية والعراقية والليبية واليمنية. ربما كان متواطئاً أو شريكاً! لماذا يقتل داعش الناس في أوروبا في المطار، في مترو الأنفاق، في المسرح؟ من نافلة القول إنّ الحكومتين الفرنسية والبلجيكية لن تنصاعا لأمر "داعش”، ولن تخضعا للابتزاز الذي يمارسه "داعش” بتعريض أمن وحياة الناس للخطر. ما يهمّنى في الواقع من هذا كله هو الناس، وليس الحكومات. من البديهي أنّي متضامنة مع ضحايا الإرهاب، سواء كانوا في سورية أو في بلادي لبنان أو في باريس أو في بروكسيل، لا فرق بينهم.

ما أودّ قوله في ختام هذا الفصل هو التالي:

ـ إنّ عناصر "داعش” الذين نفّذوا التفجيرات الانتحارية في باريس وفي بروكسيل هم فرنسيون وبلجيكيون. ما يعني أنّه يوجد "داعش” فرنسيّ ـ بلجيكيّ!

ـ أعتقد أنّ الذي يفجّر نفسه بين الناس المدنيين ليس إنسانا طبيعياً، أو بالأحرى ليس سليم العقل حيّ الضمير. وبالتالي لا يمكن أن يكون هو صاحب القرار، هو دمية. أصحاب القرار هم الإرهابيون الحقيقيون، ولكن هؤلاء لا يفجّرون أنفسهم.

ـ نتج عن تفجيرات باريس وبروكسيل، بالإضافة طبعاً للقتلى الأبرياء وللجرحى، مُعطى ذو أهمية كبيرة، بمعنى أنّه يكاد أن يمثّل نصف الحقيقة أو أكثر. هذا المُعطى يُفيد بأنّ التفجيرات أدّت إلى زعزعة أوضاع الفرنسيين والبلجيكيين من أصول عربية. لا أظنّ أنّ مثل هذه المُحصّلة كانت غائبة في أذهان الذين خطّطوا، ولكن من المحتمل أنّ الدُّمى كانت تتصرّف على أساس أنّ "الله يأمر عباده بالانتقام من الذين أساؤوا إليهم”.

ينبني عليه أنّ الفرنسيين والبلجيكيين من أصول عربية هم اليوم خائفون من الفرنسيين والبلجيكيين الأصلانيين، وفي المقابل، أنّ الأخيرين خائفون من الأوّلين . ليس مستبعداً أن يشكّل هذا الخوف المتبادل عاملاً ملائماً لانضمام عناصر جديدة إلى "داعش” الفرنسيّ ـ البلجيكيّ .