إذا تكلّموا كذبوا .. المعذّبون في الأرض ضدّ أنفسهم
ثريا عاصي
تضمّنت نشرة الأخبار هذا الصباح فقرة طويلة عن الأوضاع في ليبيا: "داعش” في مدينة سرت، كتائب "داعش” تهدّد ميناءً نفطياً شرقي سرت، طرابلس الغرب محاصرة، فوضى عارمة في جميع أنحاء البلاد. لا شيء عن دور الحكومة الفرنسية في إسقاط الدولة في ليبيا! استعدادات عسكرية غربية للذهاب مرة ثانية إلى ليبيا، هذه المرة بطلب من حكومة ائتلافية، يقال إنّها تشكّلت بوساطة غربية، في الأيام القليلة الماضية!
عندما يتناول الإعلام عندنا مسألة الجهاديين الذين يقومون بأعمال تخريبية في فرنسا، لا يُذكر شيء عن المسألة الاجتماعية في ضواحي المدن الفرنسية التي يسكنها الجيل الثالث من أبناء المهاجرين من المستعمرات القديمة. رغم أنّ الصعوبات التي تعترض هؤلاء السكان، المنبوذين، أصلها محلّي إجتماعي، وحضورها سبق الأزمة السورية والتحوّلات التي تشهدها القضية الفلسطينية، بل سبق حروب الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التي تعاونها في أفغانستان. يتوجّب الاعتراف في هذا السياق بأنّه كانت لهذه الأحداث، بالقطع، أصداء في أوساط البؤساء المندمجين جزئياً في النسيج الاجتماعي، حيث تلقّاها الأخيرون بعفوية كاملة، فترجموها اعتماداً على إشكالات العلاقة التي تربط بينهم وبين المجتمع، فبدا لهم أنّ ما يعانون منه يشبه معاناة الفلسطينيين والعراقيين. مستعمـِرٌ ومستعمَـٌر. ليس الاختلاف بالنوع، وإنّما بالدرجات فقط!
فما من شكّ في أنّ البؤس، والعطالة عن العمل، وتدنّي مستوى التعليم والوعي، تشكّل مجتمعة عوامل ملائمة لظهور أشخاص وجماعات تستجيب بسهولة للإغراءات والوعود، وتقع في الأوهام .
فمثلما استغلّت الولايات المتحدة الأميركية الفقر والجهل والسياسة السيئة، فجنّدت الإسلاميين في أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفياتي، وجعلتهم يقتنعون بأنّهم انتصروا عليه وأسقطوه، علماً أنّ هذا الأخير سقط من تلقاء نفسه. ومثلما استطاعت توظيف الإخوان المسلمين، والوهابيين في سوريا والعراق، وفي شمال أفريقيا، في التحريض على الدولة الوطنية، كون هذه "الدولة اللاإسلامية” بحسب الدعاية الإسلامية سبب "الفساد والانحراف والكفر”، وليس الحكام، بعكس "دولة آل سعود الوهابية، ودولة العثمانيين الإخوانية في تركيا”، فتوهّم الإسلاميون أنّهم انتصروا إذ أسقطوا "الدولة البعثية في العراق”، و”الحوثية في اليمن”. استعصت عليهم "الدولة الإيرانية” في لبنان و”الدولة العلوية” في سوريا، على حد تعبيرهم طبعاً، فهم يـُغشون نكرانهم لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان ولمعاضدة السوريين، حكومةً وشعباً، لهذه المقاومة وللاعتراض على التطبيع مع المستعمر، بخطاب ديني تافه ومنفّر. إذاً، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان، ثمّ في إطار "الربيع العربي”، بمعاونة الوهابيين والإخوان المسلمين، أعتقد أنّها ستـُكرر ذلك حيث توجد بيئة "إسلامية”، أو بالأحرى بيئة يمكن "تجييشها إسلامياً”. كما هي بيئة أبناء المهاجرين في ضواحي المدن الأوروبية، الصناعية، الكبرى .
أصل الآن في هذه المقاربة إلى السؤال الرئيسي، فأقتضب لأقول:
ـ نجد الوهابيين، ممثّلين بآل سعود، إلى جانب الإخوان المسلمين الذين بايعوا كما يبدو السيد أردوغان سلطاناً. نجد الفريقين وراء الجماعات الإسلامية من نوع القاعدة، جبهة النصرة، وداعش. علماً أنّ آل سعود والعثمانيين هم ذراعا الولايات المتحدة الأميركية. المال والعسكر!
ـ إنّ الأهداف التي سعت هذه الجماعات إلى الوصول إليها، تتمثّل بترويع الناس وفرط العقد الاجتماعي الوطني الذي كان يجمعهم. تجسّد هذا بالتهجير و”باحتفاليات” ضرب الأعناق والرّجم والجلد، بالإضافة إلى تدمير الدولة، مؤسسات، مرافق حيوية، وصولاً إلى تهديم الأحياء السكنية، أو التسبّب بذلك نتيجة لقتال هذه الجماعات من شرفات المنازل ومن غرف النوم!
بناءً عليه، يحق لنا أن نتساءل عن الغايات التي يصبو إليها الإسلاميون الذين يرتكبون أعمالاً إرهابية صادمة في بلاد أوروبية يعيش فيها جاليات كبيرة من أبناء مستعمراتها القديمة؟ أيّة بُنية يريدون فرطها؟ أيّة كينونة يريدون إلغاءها؟ أيّة دولة يريدون محوها، بحجة إقامة دولة الإسلام مكانها؟
من البديهي، أنّ الدولة الأوروبية تمتلك الوسائل اللازمة للمحافظة على نفسها وعلى شعبها. ومن المعروف في هذا السياق، أنّ الدولة الأوروبية لا تراعي قانوناً، أو قاعدة أو عُرفاً، عندما تشعر أنّ الخطر يتهدّد أمنها القومي، وتلجأ إلى استخدام كل أنواع السلاح الذي بحوزتها، ومن ضمنها سلاح الدمار الشامل. لا شكّ في أنّ الإرهابيين يعرفون ذلك، آل سعود والأردوغانيون يعرفونه أيضاً. ينبني عليه، أنّه ليس مستبعداً أنّ المستهدفين من العمليات الإرهابية هم أبناء المهاجرين، المزدوجي الجنسية، مواطنو الدرجة الثانية، المواطنون بنسبة 50 % فقط! من المحتمل أن يكون المطلوب، هو تهجيرهم من البلاد الأوروبية التي استوطنوها!… هذا استناداً إلى نظرية المؤامرة!