تركيا وحدود اللعبة..
احمد شعيتو
لا تخرج تركيا عن سياق استراتيجي غربي عام في الملف السوري.. عضوية في "الاطلسي" ووقوف على باب "الاوروبي" كابحان للجماح، لكن ما بين هذا وذاك بعض الأدوار وبعض الابتزاز..
تلوّح تركيا بورقة اللاجئين، يُغض النظر عن ضربها الاكراد، وتُعطى ادوارا في الضغط الميداني و"التهويل" البري.. هي من فتحت الحدود امام المسلحين في اللعبة الكبرى بوجه النظام السوري، ادت ادوارا تفيد الغربيين من دون الذهاب بعيدا في القضاء التام على مصالحها مع القوى الكبرى الاقليمية، وتمسك اليوم بمفتاح باب خطير تستطيع عند استخدامه اخراج اعداد ضخمة من اللاجئين نحو اوروبا والغرب.. هددت باستخدامه مجددا منذ ايام والغربيون يخشون طبعا هذا التلويح ويشكل ذلك كابوسا من خلفيتين اجتماعية وامنية. وفق نظريتهم: فلتتحمل الدول الجارة هذا العبء، لا بأس بعدة ملايين في هذه الدولة الجارة او تلك، ونحن نستقبل بضعة آلاف..
هل منح الاميركي الاتراك هامش مواجهة الاكراد شمال سوريا رغم اننا شهدنا التصريحات التي تدعو التركي الى "التوقف" مثل تلك التي حصلت بعد قصف مواقع كردية في سوريا؟. جرى الحديث عن دعم اميركي لهؤلاء المسلحين الاكراد بوجه داعش لكن لماذا لم يكن هناك موقف اميركي حازم حتى الان بوجه تركيا؟
التركي لم يعد يلعب في الموضوع السوري تحت الطاولة وها نحن نراه يقصف خارج الحدود بطريقة سافرة ويومية ضد الاكراد والجيش السوري، ويحذر الاكراد من الاقتراب من اعزاز.. وآخر تصريحات التركي انه لن يسمح بسقوط اعزاز في يد الاكراد. هو كلام تدخلي فيه من الوقاحة السياسية والعسكرية الكثير، يوحي ان لا حدود تركية لأي تدخل في شؤون سوريا، حتى بحجة الاكراد، واللافت انه عندما كانت هذه المناطق بيد النصرة وداعش وغيرهما لم تحرك تركيا ساكنا، ولم تعتبره تهديدا، في مؤشر على التحالف القائم مع الجماعات المسلحة.
موضوعا اللاجئين والاكراد يبقيان ورقتا مساومة تركية ولكن ليس لدرجة تخطي خطوط حمر تصل الى حد احراج الاميركي وحلفائه الغربيين عندما يتحدثون عن وقف نار او محادثات سلام سورية، هذا اذا كانت النية الاميركية جدية. وتبقى الاستفادة الغربية من تركيا في خطوة هنا وهناك، ويمكن ان نذكر ان حدثا خطيرا مثل اسقاط الطائرة الروسية لم يكن ليتم من قرار فردي تركي .. اما القصف التركي للشمال السوري فيبدو ان الهامش متروك فيه في هذه المرحلة، فلماذا؟
يشكل الحديث المتصاعد في الآونة الاخيرة عن تفعيل الحرب على داعش من قبل التحالف الاميركي مؤشرا وصورة لمستقبل الاوضاع ودليلا على اقتناع اكثر واكثر بلا جدوى وظيفة داعش، اقتناع يتزايد بخسارة الرهان على اسقاط النظام السوري، منذ بدء الاميركيين الحديث عن مشاورات دولية ثم تفعيل حوار سوري سوري كان يتبدى الاقرار بالفشل، اليوم مع التطورات الدراماتيكية الميدانية بدا الاقتناع اكبر. في هذا السياق مسألة التهويل السعودي التركي بدخول بري لم تتضح معالمه وحجمه بعد وإن كان الظاهر انه سيبقى محدودا، وتبقى تهويلاته اكبر بكثير من وقائعه، لكن هو والقصف التركي يوضع في سياق الخيبة من التطورات الميدانية، وفي سياق آخر هو القول بأن الوجهة الاساسية هي داعش، وتُترك تركيا لتستهدف الاكراد في الوقت نفسه.
اميركا التي لعبت عبر داعش لتحقيق اهداف ومكاسب بدأت تفقد ورقتها لكن تريد ان تستعمل الورقة نفسها في اخراج معين لخسارة المشروع في سوريا: تفعيل مقولة الحرب على داعش هي مفتاح الإخراج. لا زالت محاولات مناورة هنا وهناك ومواقف تصعيدية لحلفاء اميركا وتحركات واثارة جلَبة هنا وهناك لكن مع الوقت ستثبت لاجدوى المناورات والسماح لاطراف مدعومة بان تشاغب.
تستفيد واشنطن من العبث التركي والتهويل السعودي في محاولتين: حد من الخسائر الميدانية، وضغط على روسيا، وهي بين هذا وذاك تلعب دورا مزدوجا، الحث على وقف اطلاق النار يوازيه التلويح لروسيا ان لا جدوى من وقف النار اذا لم توقف استهداف من تصفه "المعارضة المعتدلة"، وهذا يدل على استمرار القلق من الاستراتيجية الروسية القائمة.
حدود اللعبة في "لعبة الحدود" والمشاكسة التركية تقف عند تطورات الميدان وعند خطورة احتمالات الرد، وكذا عند خطابين: للروسي وللاتحاد الاوروبي، فلا مناص من "لحظة الحقيقة" كما وصفت مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية فيديريكا موغيريني، والمجتمع الدولي بات امام هذه اللحظة كما قالت، اما الخطاب الروسي فيحذّر من اللعب بالنار عبر امكانية تحول هذه التحركات او الدخول البري الى مواجهة دولية بل حرب عالمية كما وصفها رئيس الوزراء مدفيديف، موجها في ذلك رسالة متقدمة لم يسبق ان وجهتها روسيا منذ عقود.