كيف سلب حزب الله جيش العدو القدرة على الحسم؟
جهاد حيدر
لم يكن وصف رئيس اركان جيش العدو غادي ايزنكوت لحزب الله بأنه العدو المركزي للجيش الإسرائيلي، إلا نتيجة قراءة وتقدير لنوايا وتوجهات حزب الله وامتلاكه قدرات استراتيجية نوعية، والارادة على تفعيل هذه القدرات. ونتيجة ذلك، بات حزب الله، وفق المفاهيم التي تتبناها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التهديد الاساس لـ"الدولة العبرية".
تدرك إسرائيل أكثر من أي طرف آخر بأن وجهة حزب الله الاستراتيجية هي مقاومة "إسرائيل" ودعم الشعب الفلسطيني في مقاومته ضد الاحتلال. وأن ما يبنيه حزب الله من قدرات موجهة بالدرجة الاولى ضد النزعات العدوانية لـ"اسرائيل" وقدراتها التدميرية. وأنه جزء من محور يمتد إلى العاصمة الايرانية طهران، ما يضاعف من تهديده على الامن القومي الإسرائيلي.
مع ذلك، من نافلة القول أن جيش العدو يتمتع بتفوق نوعي وكمي كبير جداً في مقابل حزب الله ولبنان. الامر الذي يطرح اشكالية وتساؤلا عميقا حول كيف استطاع حزب الله تعطيل هذا التفوق وترجمته الى حسم وانتصار؟.
على الرغم من أنه لم يسهب كثيرا في كلمته، تناول ايزنكوت هذه القضية دون الاشارة إلى كونها اجابة على هذا التساؤل، وانما أوردها في سياق حديثه عن الاستراتيجية التي تحدى من خلالها حزب الله التفوق الاستخباراتي والجوي والبري للجيش الإسرائيلي.
نقطة الارتكاز في خطة حزب الله العملانية، كما قدمها ايزنكوت، تقوم على توسيع نطاق انتشار قدراته الاستراتيجية والتكتيكية، في أوسع نطاق ممكن. وهو أمر له بعدان، استخباراتي، بحيث يصعب على الاستخبارات الاحاطة بهذا الكم من القدرات، والثاني أن ذلك وفر لحزب الله الارضية لما يسمح له بسلب العدو القدرة على تدمير قدراته البشرية والعسكرية.
وبحسب التعبير الذي استخدمه ايزنكوت في كلمته امام مؤتمر معهد ابحاث الامن القومي، نشر حزب الله قدراته "في 240 قرية وبلدة ومدينة شيعية جنوب لبنان. وفي كل قرية بُنيت منظومة دفاعية ومنظومة صواريخ قوسية وصواريخ مضادة للدروع وقيادة. والمساعي الآن تهدف إلى تطوير دقة هذه الصواريخ التي تطورت من 10 الاف صاروخ إلى نحو 100 الف صاروخ".
وتتجلى أهمية اتساع نطاق انتشار هذه القدرات، وأهمية إخفائها من خلال مفهوم عبر عنه أحد الخبراء الإسرائيليين بعد حرب العام 2006، ملخصا الفشل الإسرائيلي بالقول أن إسرائيل "أدركت الغابة ولكنها لم تعثر على الاشجار". بمعنى أن إسرائيل أدركت حجم قدرات حزب الله، بالكليات، (الغابة). لكن هذه المعرفة لم تكن كافية لتحويلها إلى حسم وانتصار بل لا بد من العثور على كل شجرة (المنصات الصاروخية) من أجل تدميرها.
فيما يتعلق بتحدي التفوق النوعي الجوي الإسرائيلي. المعروف أن سلاح الجو يحتاج إلى استخبارات دقيقة من أجل تحقيق الانجاز والمهام المطلوبة، ولا يوجد أية عقبة لدى العدو تتصل بدقة الاصابة، ولا بالقدرات التدميرية. وبالتالي يبدو من كلام ايزنكوت، أن حزب الله تحدى تفوق سلاح الجو الإسرائيلي، عبر تكتيك توسيع نطاق الانتشار، والاخفاء والتضليل والتمويه.. أي بما يسلب العدو العثور على كل أو معظم الاشجار. الامر الذي يحد من مفاعيل التفوق النوعي الإسرائيلي.
إلى ذلك، إذا ما اضفنا ما تناولته العديد من التقارير الإسرائيلية سابقا، واشار له ضمنا ايزنكوت لدى حديثه عن صواريخ دقيقة الاصابة وذات قدرات تدميرية كبيرة. وهو ما يعني، من ضمن أمور أخرى، القدرة على استهداف المنشآت الاستراتيجية في العمق الإسرائيلي، بما فيها المطارات الحربية.
اما بخصوص مواجهة التفوق النوعي البري الإسرائيلي. فقد أعتبر ايزنكوت أن حزب الله بنى منظومة دفاعية وصواريخ مضادة للدروع.. مُقرا بأن "هناك تعقيدا كبيرا جدا في البعد البري" وموضحا بأن لدى الجيش الإسرائيلي تفوقًا عاليًا جدا في المجال البري مقابل الجيوش المعادية، لكن "هذه القدرة تتقلص في مواجهة تنظيمات تتموضع في المناطق المبنية". خاصة وأن حزب الله يبني تحصينات لا يمكن تمييزها عن المباني المدنية، وتخضع هذه القضية لدعاية إسرائيلية مركزة وواسعة. ويضاف الى ذلك، امتلاك حزب الله قدرات واسعة تحت الارض وهو ما يخلق بحسب ايزنكوت "تعقيدا كبيرا لنا ولجيوش أخرى تواجه "الارهاب".
وخلص ايزنكوت إلى أن واقع حزب الله، بالتفاصيل التي أوردها، يشكل تحديا لمفاهيم الجيش الاساسية التي خدمت "إسرائيل" بشكل جيد، الانذار، الردع والحسم والانتصار.
ي ضوء المفاهيم التي أوردها ايزنكوت، ولو كانت مختصرة ومكثفة، من الواضح أن تكتيكات حزب الله الدفاعية في مواجهة التفوق البري الإسرائيلي، على المستويين النوعي والكمي، تستند بحسب رئيس اركان جيش العدو، إلى بناء تحصينات تحت الارض، ومموهة بحيث لا يتم تشخيصها وتمييزها عن مختلف المباني المنتشرة في لبنان، ومزودة بمنظومات صاروخية متطورة مضادة للدروع. وأهمية هذا التكتيك أنه مكَّن حزب الله من سلب العدو القدرة على الانذار الاستخباراتي، وتشخيص نقاط الانتشار العسكري، بما يمنح العدو القدرة على استهدافها.
مع ذلك، ينبغي القول أن سلب حزب الله جيش العدو القدرة على الحسم لا يقتصر على ما تقدم، وانما على ما اورده ايزنكوت في خطابه، وتم تجاهل عناصر اخرى تتصل ايضا، بقدرات حزب الله الصاروخية على استهداف العمق الاسرائيلي بشكل متواصل، وتدمير الياته ومدرعاته التي يفترض أنها قد تقوم بغزو لبنان.