إقليم كردستان يبحث عن حلول لمشاكله في بغداد
ـ عادل الجبوري
جاءت زيارة رئيس حكومة اقليم كردستان المحلية نيجرفان البارزاني المقررة قبل أيام قلائل للعاصمة بغداد، التي وصفها بـ"الاعتيادية"، من اجل التباحث مع الحكومة الاتحادية في جملة من الملفات والقضايا العالقة، في ظرف استثنائي يعيشه الإقليم، ناهيك عن مجمل التحدِّيات والمصاعب الاقتصادية والامنية التي يواجهها العراق.
تمحورت مباحثات البارزاني، مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ومسؤولين وزعماء سياسيين اخرين، حول نقطة مهمة وجوهرية، الا وهي كيفية التغلب على الازمة الاقتصادية الخانقة في الاقليم، التي ألقت بظلالها على كل مناحي الحياة هناك، وفتحت الباب واسعًا على أسوأ الاحتمالات.
هل انهار اقليم كردستان فعلا؟
كانت قيادات الاقليم قد راهنت في السابق على تجاوز الحكومة الاتحادية وتصدير النفط المستخرج من قبل الاقليم مباشرة، للحصول على الاموال اللازمة، بيد ان ذلك الرهان خسر بالكامل، بعدما تراجعت اسعار النفط الى حدٍّ كبير، وتفاقمت الديون المستحقة على الاقليم لصالح عدد من الشركات النفطية والمصارف الاجنبية حتى تجاوزت العشرين مليار دولار، اضافة الى قيام شركة تسويق النفط العراقي الوطنية(سومو) برفع دعاوى قضائية عديدة على حكومة الاقليم امام المحاكم الدولية لتصديرها النفط العراقي دون موافقة المركز، وخلافا للدستور.
وبينما كان يسعى البارزاني الى العثور على مخرج للمأزق المالي الكردي في بغداد، فإنه واجه للوهلة الاولى من محاوريه في بغداد "الاتفاق النفطي" المبرم قبل اكثر من عام بين بغداد واربيل، والذي نص على قيام الاقليم بتصدير خمسمئة وخمسين الف برميل نفط يوميا بما فيها نفط كركوك، مقابل حصوله على حصته من الموازنة المالية البالغة 17%، وهذه النسبة قابلة للتغيير ارتباطا بكميات النفط المصدرة، أي انها لا تدفع مرة واحدة، كما كان المعمول به سابقا، وانما يكون الدفع شهريا.
وبما ان الازمة المالية راحت تلقي بظلالها على بغداد، فإن فرص البارزاني بتحقيق نتائج ايجابية من زيارته لبغداد بدت ضئيلة منذ البداية، ان لم تكن معدومة، ووفق ما يقول خبراء اقتصاديون، "ان العودة للاتفاق النفطي بين بغداد واربيل، لا يمكن ان ينقذ الاقليم من الانهيار، لان المشكلة لم تعد في الالتزام بالاتفاق وتنفيذه بقدر ما تكمن في شحة الاموال".
وقبل بضعة ايام صرح رئيس حكومة الاقليم بأن "الوضع المالي للاقليم خطير جدا"، وفي الوقت ذاته تقريبا صرح نائبه قوباد الطالباني قائلا "ان حكومة الاقليم لا تستطيع تأمين رواتب واستحقاقات موظفيها". واكثر من ذلك فإن سياسيًّا عراقيًّا رفيع المستوى اكد في محفل خاص وهو يتحدث عن ازمة الاقليم الاقتصادية "ان الاقليم ليس على وشك الانهيار، وانما هو منهار فعلا".
وتجدر الاشارة الى ان وزارة المالية والاقتصاد في حكومة الاقليم اعلنت قبل اسبوعين انها ستدفع نصف الراتب الشهري لموظفي الاقليم، علما ان الرواتب متأخرة لاكثر من اربعة شهور.
إلى جانب ذلك فإن مقرات حزبية في محافظة السليمانية تعرضت لاعتداءات وهجمات مواطنين غاضبين بسبب تأخر رواتبهم، تبعها اعلان معلمي ومدرسي السليمانية الاضراب العام، ناهيك عن توقعات اوساط مختلفة باتساع نطاق الاعتصامات والتظاهرات، الى الحد الذي قد تخرج فيه عن سيطرة وتحكم الجهات الامنية.
كل ذلك يحصل والاقليم ما زال يواجه مخاطر تنظيم داعش الارهابي، ومازال يعيش دوامة الصراع السياسي الحاد بين الأفرقاء حول رئاسة الاقليم، والتي صرح مسعود البارزاني بشأنها مؤخرا بالقول بأنه "سيلتحق بقوات البيشمركه متى ما توفر البديل له"، ليصرح رئيس حزب المستقبل (اينده) الكردي قادر عزيز فيما بعد باستعداده لتسلم رئاسة الاقليم من البارزاني.
جاء نيجرفان البارزاني الى بغداد هذه المرة لا للمساومة، بل للبحث ولو عن بصيص ضوء في نفق الازمة المظلم، والمفارقة اللافتة، ان وصول رئيس حكومة الاقليم الى بغداد ترافق مع اعلان الاتحاد الاوربي من بروكسل ابلاغه اقليم كردستان رفضه اجراء الاستفتاء حول استقلاله في الوقت الراهن، وهو ما يعني اسقاط الورقة التي حاول رئيس الاقليم المنتهية ولايته استخدامها ضد خصومه المطالبين بتنحيه.
ولا شك ان اعلان الاتحاد الاوربي قد خيم على جانب من اجواء مباحثات البارزاني في بغداد، التي كانت مثلما نقل قريبون منها "ملبدة بسحب شحة الاموال، وضغط الواقع".
الحكومة الاتحادية توصلت من خلال مباحثاتها مع وفد الاقليم الى:
-الاتفاق على عقد لقاءات دورية مشتركة.
-الاتفاق على تأمين الواجبات والحقوق للاقليم وللمحافظات.
-التنسيق والعمل المشترك لتحرير الموصل والمناطق الأخرى.
-الاتفاق على برنامج للاصلاح الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل الوطني.
-الالتزام التام بجباية التعرفة الجمركية وضريبة الدخل باعتبارها موارد مالية للحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات على حد سواء.
وهذا يعني ان رئيس حكومة الاقليم لم يحصل من بغداد هذه المرة، سوى على التعاطف والمواساة، سواء قرر العودة الى الاتفاق النفطي ام لم يقرر، والتوافقات والتفاهمات المشار اليها بين الجانبين، لا تتعدى نطاق التسويق والاستهلاك الاعلامي، والذي من الصعب بمكان ان يصمد امام الحقائق المرة والمؤلمة للواقع.