الاتحاد العثماني والاتحاد الأوروبي !!
ثريا عاصي –
أواصل في هذه الحلقة التفكير الذي بدأته في حلقات سابقة عن مقاصد الدول التي تشارك منذ 2011 في الحرب على سوريا. لا جدال في هذا السياق في أنّ تركيا تحت قيادة الإسلاميين تمثّل طرفاً أساسياً في حلف أعداء سوريا. يحسن التذكير هنا بأنّ تركيا كادت أن تتحوّل في السنوات التي سبقت اشتعال الحرب إلى الدولة المشرقية المثال في المنطقة، التي تنعم بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. لا أبالغ إذا قلت إنّ دولاً عربية كانت تتطلّع إلى تركيا، تنتظر منها أن تحميها من تغوّل الإمبريالية الأميركية ـ الأوروبية، ومن تفلّت المستعمرين الإسرائيليين.
من المرجّح أنّ ظاهر الأمور التركية كان مختلفاً عن مضمونها. وأنّ السياسة التركية، العاقلة، المعتدلة، الناعمة، تجاه جيرانها العرب والإيرانيين، كانت تعبّر ضمنياً عن خيبة أمل نتيجة إغلاق أبواب الاتحاد الأوروبي في وجهها. من البديهي أنّ "تركيا” معزولة، العديمة النفوذ في أوروبا أو في المنطقة العربية ستكون في إطار العولمة، عرضة للضمور والتلاشي على المدى المتوسط. لذا من المحتمل أن يكون صانعو السياسة التركية الحاليين، قد تصوّروا تعويض خسارة "الاتحاد الأوروبي” بـ”اتحاد إسلامي” تكون تركيا فيه، دولة محورية مركزية وصاحبة النفوذ الأكبر في جنوب المتوسط، من تونس إلى سوريا ومنها إلى العراق وشبه الجزيرة العربية!
ومهما يكن، فلقد بدا تحقيق مشروع "الاتحاد الإسلامي” بزعامة تركيا، ممكناً، ولا سيّما أنّ الولايات المتحدة الأميركية وأذيالها في أوروبا أظهروا الحماسة الشديدة له، كأنّهم أرادوا غزو سوريا بأساليب ووسائل مختلفة عن تلك التي استخدموها في العراق، ثمّ في ليبيا. علماً أنّ الدور المرسوم لهذا الاتحاد الإسلامي ليس بالطبع منافسة الاتحاد الأوروبي، وإنما التواجد إلى جانبه ومعاونته. مجمل القول، إنّ تركيا خارج الاتحاد الأوروبي، مقطوعة من الشجرة الإسلامية، هي كمثل تركيا عاطلة من العمل، لا يُحسب لها حساب، كما هي حال مصر التي وصلت إليها هذه الأخيرة في نهاية المطاف الساداتي، انطلاقاً من معاهدة كامب دافيد وتبعاً لسياسة التنكّر للعروبة! ولكن هل من متّعظ!
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذا المشروع التركي هو في الواقع من طبيعة المشروع القطري، طبعاً مع فارق المقياس. فلقد توهّم الكثيرون منّا، أو قل استبشروا خيراً قبل "الربيع العربي” بالسياسة القطرية إعلامياً، تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه المقاومة تصدّياً لاعتداءات المستعمرين الإسرائيليين، ومادياً اذ قدّم القطريون التعويضات عن جزء من الخسائر التي يتسبّب بها الإسرائيليون في لبنان وفلسطين. لم نلحظ في الوقت نفسه أنّ هذه السياسة متناقضة مع تواجد القواعد العسكرية الأميركية في قطر، ومع زيارات قادة المستعمرين الإسرائيليين المتكررة إلى الإمارة!
لا شكّ في أنّ العثمانيين الجدد مصيبون من وجهة نظري، عندما يعتبرون سوريا مفترق الطرق المؤدية إلى بلاد العرب. ولكنهم يخطئون عندما يلجؤون إلى وسائل المستعمرين والفاتحين، قتلاً وتدميراً. استخدموا سلاح الفتنة المذهبية، وتناسوا، أنّ السوريين هم سوريون، كمثل أنّ أهل تركيا أتراك. يستتبع ذلك أنّ الذي يعتمد سياسة مذهبية وعرقية في سوريا، إنّما يعتمد السياسة نفسها في تركيا نفسها.
خلاصة القول، إنّ مصير المشروع التركي في سوريا هو الفشل، فأهل تركيا كمثل أهل سوريا، إذا ضاق بهم الوطن صاروا مذاهب وأعراقاً! ما هكذا تورَد الإبل يا سعد!