kayhan.ir

رمز الخبر: 33670
تأريخ النشر : 2016February02 - 20:00

سوريا: السباق بين دخان المعارك وطاولة جنيف

عقيل الشيخ حسين

بين التوافق الاضطراري مع روسيا على حل ينهي الحرب السورية والرغبة في استمرار الحرب، اضطراب العلاقة بين واشنطن وأدواتها هو حرب فيما بينها على اقتسام تبعات الهزيمة.

لا جدوى من أعمال التنقيب التي يلجأ إليها المحللون في البحث عما يحكم مواقف هذه أو تلك من مئات المعارضات السورية التي يتقلص كثير منها ليرسو على رجل واحد أو امرأة واحدة غالباً ما يكون مقيماً أو أن تكون مقيمة خارج البلاد على ابواب السفارات وفي دهاليز أجهزة الاستخبارات. أو من عشرات الدول التي تحرك هذه أو تلك من المعارضات.

فعلى أبواب "جنيف 3"، هناك مطلبان أساسيان يحكمان مواقف الطرفين المعنيَّين بالحرب التي أصبحت عالمية في سوريا: سوريا والقوى الداعمة لها من جهة، والمعارضات السورية والقوى التي تقف وراءها من جهة أخرى.

موقف الطرف الأول معروف وواضح. فهو يتلخص بالتمسك بوحدة سوريا واستقلالها ومواصلة سيرها على طريق المقاومة والتحرر في وجه مشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية.

أما الطرف الثاني فهو يريد الآن ما كان يريده منذ بداية الحرب. أي إسقاط سوريا من خلال الصيغة التي تترجم نفسها بشعار تنحية الرئيس الأسد وأركان حكمه، من أجل إلحاق سوريا بجمهرة البلدان العربية السائرة في الركب السعودي الذي لا يخفي ولاءه المطلق لواشنطن والذي زاد على ذلك اعتداده المستجد بتحالفه المكشوف والاستراتيجي مع الكيان الصهيوني.

لكن خمس سنوات طويلة جداً من هذه الحرب غير المسبوقة من حيث شراستها وتعقيداتها وكثرة الأطراف المشاركة فيها، على تباينات في مواقف كل منها، والفشل الكامل في تحقيق هدف الحرب عبر ما كانوا يعتبرونه سقوطاً وشيكاً للنظام، خلال أيام أو أسابيع، كل ذلك انفتح على منزلقات ومستنقعات بدأ يتخبط فيها أعداء سوريا منذ البداية، ووصلت إلى تخوم الاصطدامات المباشرة.

وليس المقصود بالاصطدامات ما يجري من أعمال قتالية بين قطعان الجماعات الإرهابية المسلحة، ولا أشكال الشقاق المستشرية بين أطراف المعارضات غير المسلحة. فكل ذلك، على أهميته، كمؤشر على هشاشة تلك المعارضات، لا يوازي الاضطراب في المواقف بين الرياض وواشنطن، وهو الاضطراب الذي بلغ بالإعلام المستأجر سعودياً حد توجيه تهمة الخيانة العظمى إلى الولايات المتحدة أو، بالأحرى، إلى الرئيس أوباما حصرياً، لأن أطرافاً أخرى، أميركية وغير أميركية، تلتزم مواقف مشابهة للموقف السعودي.

فما يجري في الحقيقة هو حرب استباقية بين أعداء سوريا على اقتسام تبعات الهزيمة. فأميركا أوباما التي ما تزال تعمل جاهدة لتحقيق هدف الحرب، أي ضرب سوريا بما هي عضو أساس في محور المقاومة، لم يعد بمقدورها أن تعلن ذلك بالشكل الذي كانت تفعله عندما كانت تتمسك بمطلب تنحية الرئيس الأسد، باتت مجبرة الآن على التحلي، ولو ظاهرياً، بما يكفي من الواقعية والتجاوب مع روسيا لجهة العمل من أجل التوصل إلى حل في سوريا على أساس القرار 2245. والمعروف أن هذا القرار ينص على سلسلة إجراءات عملانية وتشريعية من شأنها أن تضع سوريا على سكة الخروج من الأزمة.

والواضح أن هذا الموقف الأميركي إنما تم اتخاذه على أمل أن تتمكن واشنطن من تلافي ما يمكن تلافيه من تبعات الهزيمة، وهي في الحقيقة قادرة إلى حد ما على تحقيق هذا الهدف بما لا تزال تمتلكه من نفوذ وقدرات. وهذا يعني أن القسط الأكبر من التبعات، مضافاً إليها تداعيات التسوية السلمية للملف النووي الإيراني، سيكون، وهذا أمر طبيعي تماماً، من حصة أعداء سوريا الإقليميين: السعودية وتركيا وقطر والكيان الصهيوني. ويبدو أن وجود هذه القوى بات على المحك وقد لا يكون كافياً لتغطية هذه التبعات.

توافق اضطراري

ولكن غضب السعودية على أميركا شبيه بما يقوله مثل عربي قديم تتبادر فحواه إلى ذهن القارئ دون التلفظ بحروفه وكلماته. فأميركا غير الراغبة أصلاً بانعقاد "جنيف 3" والمضطرة إلى الموافقة عليه بحكم ارتطامها بجدار التوافق الإضطراري مع روسيا، توعز في الخفاء إلى السعودية وتركيا وملحقاتهما من المعارضات السورية للعمل على إفشال هذا المؤتمر. لكنها تمارس الرياء المكشوف عندما توجه الأوامر التي بموجبها يوافق ما يسمى بـ "وفد الرياض"، بعد الكثير من الممانعة، على الذهاب إلى "جنيف 3"، ولكن لا بهدف المشاركة في النقاشات، بل بهدف التهديد كل لحظة بمغادرتها!

هذا القرار الأخير هو نتاج توافق دراماتيكي جماعي بين أعداء سوريا، كبيرهم وصغيرهم. وهو يعني أن الرهان لا يزال قائماً، حتى بعد الانتصارات الميدانية الأخيرة التي حققها الجيش العربي السوري، على المضي في عملية تدمير سوريا حتى النهاية بأدوات باتت تتحطم تباعاً على صخرة الصمود السوري.

ففي النهاية، وحتى لو أدى استمرار الحرب في سوريا إلى إلحاق الضرر بسياسات واشنطن، وإلى انهيار عروش آل سعود وأضرابهم، فإن استمرارها يظل مطلوباً لما فيه من منفعة لصناعة السلاح، ولمجندي المرتزقة، ولسارقي ممتلكات الشعب السوري، وللنخاسين المتاجرين بكل أنواع الرقيق الأبيض وغير الأبيض.