المملكة واستراتيجية الاوهام
قد يحتار المرء ويغرق في المتاهات عندما يريد ان يرسم في ذهنه صورة لما يدور في اروقة القرار السعودي من شدة التخبط والارباك التي تشهدها الساحة السياسية لهذا البلد باستمرار وربما يكون الامر بديهيا لطبيعة حكم العائلة الواحدة والانفراد في القرارات من جهة والمخاطر الكبيرة والمستفحلة التي تواجهها هذه البلاد خاصة انها ضالعة وبامتياز في نشر الارهاب فكرا وعدة وعديدا وكذلك تدخلاتها السافرة في اكثر من دولة من موقع الوصاية المطبوع في مخيلتها. من جهة اخرى فرض عليها جملة تصورات خاطئة بانها تتحمل اعباء في هذا المجال، لذلك غرقت في بحر اوهامها وسجلت لها نفوذا خياليا بانها تستطيع التحكم بمفاصل هذه البلدان من خلال بعض اجندتها المفلسة كما يحدث في لبنان على امل انه ستحصل في النهاية على حصة الاسد في الدخول في صفقات مع ايران متناسية ان هذه الظروف عابرة وان ايران لم ولن تتدخل في الشأن اللبناني تاركة القرار لشعبه ومن يمثلوه لانه الجهة الوحيدة المخولة شرعا وقانونا البت في حق تقرير مصيره، لكن السعودية اعتادت على ان تمرر سياستها الخاطئة والتدخلية على حساب الشعوب حتى وان غرقت في الدماء كما حدث ويحدث اليوم في سوريا والعراق لتجد لها مواطئ قدم في المعادلة الاقليمية.
هذا هو حراك الرياض على الصعيد الميداني، اما حراكها على المستوى الاعلامي والحرب النفسية هو الاخر يعتمد على استراتيجية الاوهام المستقاة من عقول مريضة تحاول عبثا خلق مناطق نفوذ وهمية لها على انها قوة يعتد بها ولايستغني عنها الاخرون ويجب ان تشارك ليس في تحديد ملامح المنطقة وتبعيتها لاميركا والمشروع الصهيوني المنبطح في المنطقة بل حتى في نوع الحكومات التي تحكم دول المنطقة وكأنها تمثل وصاية الشعوب في انتخاب حاكميها.
واستطرادا لهذه السياسة الوهمية سربت خلال 24 ساعة الماضية وسائل الاعلام السعودية والمرتبطة معها غربيا وصهيونيا نبأ مفاده بان الرياض تفاوض طهران حول تسمية رئيس الوزراء العراقي وكأن العراق لا شعب ولا قرار له مثلما هو اليوم حاصل في بلاد الحرمين الشريفين.
طهران التي عودت العالم باحترامها لارادة وحقوق الشعوب نفت الخبر جملة وتفصيلا وهي في نفس الوقت ترفض مثل هذه التدخلات السافرة التي هي اساءة للشعب العراقي بصفته صاحب القرار الاول والاخير في انتخاب حكومته الديمقراطية التي تمثل كافة شرائح الشعب العراقي وفقا للاستحقاقات الانتخابية النيابية ولايمكن لاية قوة في العالم ان تتخذ قرارا بالنيابة عن الشعب العراقي.
ولم تكتف مملكة استراتيجية الاوهام على تسويق الخبر المزيف الاول حتى فاجأت الرأي العام العربي والاسلامي بخبر مزيف آخر لكن هذه المرة نسبته لمصادر ايرانية غير معروفة، بان طهران تعمل على تحضير زيارة ظريف وزير الخارجية للرياض كما ترحب بزيارة الامير سعود الفيصل لطهران، مما اضطرت الاخيرة ان تسارع ألى نفي الموضوع بالقول انه لم تكن أي زيارة للسعودية في جدول اعمال السيد ظريف.
يبدو ان النظام السعودي الذي بدأ يضيق عليه الخناق من كل جانب يشعر اليوم بعقدة العزلة وعدم الاكتراث به وهذا ما يدفعه لاستعراض عضلاته حتى وان كان اعلاميا على انه موجود وان الاخرين يمدون اليد اليه لحل مشاكل المنطقة. واذا لم تكف السعودية عن هذه الاوهام وتنصرف لداخلها خاصة وان الارهاب الذي نشرته في المنطقة بدأ يحاصرها وتتعامل بالوقائع والارقام على الارض وتقيم وزنها كما هو وليس كما تريد فانها ستكون خارج الزمن وهذا ما لمسته بالتحديد في المفاوضات الجارية بين ايران ودول (5+1).