الأربعين.. الامام الحسين (ع) صحوة خالدة
" لقد لاحظتم هذا العام (العام الماضي) كيف أجتمع ملايين البشر في الأربعين الحسيني الى جانب بعضهم البعض، انها حركة عظيمة حيث احتشد جمع من المسلمين، بالطبع لم يكن الأمر مقتصراً على الشيعة بل كان ثمة مسلمون سنة أيضاً، وكان لهذه الصورة انعكاس كبير في العالم، وانبرى أولئك الذين يرصدون تطورات وأحداث العالم الاسلامي للأطراء على هذا الحدث وأكباره وأعتبروه وعدوه أضخم تجمع بشري في العالم.. لقد كان حدث الأربعين الحسيني لهذا العام حدثاً جللاً بكل ما للكلمة من معنى بعد أن تخيل أعداء الاسلام وأعداء أهل البيت عليهم السلام، أنهم تمكنوا من قطعهم لهذا الطريق، لكنكم شهدتم الحركة العظيمة التي حصلت.. فحتى عندما تصطف الأجساد الى جانب بعضها البعض هكذا تكون لها الأصداء فكيف إذا أتحدت القلوب وتوحدت الأيدي..” - من كلام سماحة قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد على الخامنئي عام 1436 للهجرة.
لا يزال التاريخ يتذكر صرخة الطاغية "معاوية بن أبي سفيان” وأمه "هند” صاحبة "الرايات الحمر” يصرخ وبأعلى صوته بوجه صديقه ونديمه "المغيرة بن شعبة” عندما طلب منه ذات يوم أن يصل أرحام بني هاشم عندما كان حاكماً على الشام، تدوي وهو يقول: "هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو عدي فاجتهد و شمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر و إن ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عملي يبقى و أي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك لا و الله إلا دفنا دفنا” (شرح نهج البلاغة لأبن أي الحديد ج5 ص129قال: روى الزبير بن بكار في الموفقيات عن المطرف بن مغيرة بن شعبة).
لقد سار الخلف على السلف في تكفير أخوته المسلمين المؤمنين وبقر بطونهم وإزهاق أرواحهم والدخول على أعراضهم يتبجحون بفعلتهم الشنيعة وسيرهم على خطى أجدادهم وأئمتهم وهم يرفعون يالثارات بدر والاحزاب والخندق وخيبر ويصدحون بها دون خجل أو أستحياء مطالبين بدم آل الأطهار (ع) وشيعتهم ومحبيهم وهم يتنغمون ويستشفون نفوسهم المريضة بقتلهم وتفجيرهم وتمزيق أجسادهم وتقطيع أوصالهم وأكل الأكباد على خطى جدتهم "هند” وفعلة سيدهم "يزيد”.
الأمة الاسلامية تعيش وطيلة القرون الماضية الويلات والمصائب ذاتها لتعود بين الحين والآخر هنا وهناك وتتكرر فيها الصور المأساوية التي مر بها أهل بيت العصمة والطهارة (ع) ويتعرضون هم وشيعتهم ومحبيهم وأنصارهم ومواليهم لنكبات مشابهة لما تعرض لها حفيد رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الامام الحسين بن على عليهما السلام لتضحى كل أرض كربلاء من العراق وحتى الشام ومن البحرين حتى اليمن مروراً بالسعودية وباكستان وغيرها من بلاد المسلمين.
ما زال أنين وعويل وآهات الأطفال والنساء تدوي في آذان المعمورة من وحشية وقساوة الحكام الطغاة وفراعنة العصر وفسقة الأمة الذين أعادوا الأمة الى جاهليتها وقبليتها ووثنيتها لكن بأسم الاسلام الأموي المنحرف ليعيش المسلمون ما عاشه وعاناه رسول الله (ص) ووصيه (ع) وأبناؤه وأهل بيته من ظلم وعنف وطغيان وجبروت وشقاء يدفعون دمائهم الطاهرة والزكية ثمن ايمانهم ودفاعهم عن الرسالة المحمدية الأصيلة وحقيقة السماء التي أريد لها إنقاذ البشرية من الضلالة والجهالة والاستحمار والاستعباد والاستغلال نحو وحدانية الخالق الجبار في أمة أراد لها أن تكون "خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ” – آل عمران – الاية 110.
أينما يوجد هناك أتباع ومحبون لآل بيت الوحي والرسالة السماوية الخاتمية يكون هناك معاوية ويزيد وأبن زياد وآل مروان ليقتلون ويفجرون ويفسقون ويكفرون ويستبيحون النفس المحرمة ويسفكون الدماء الطاهرة والبريئة ويحرقون اليابس والأخضر ويعيثون في البلاد والعباد الفساد؛ يسيرون على النهج الأموي الاحترافي في التزوير والتزييف وحرف الأمة من مسارها المحمدي الأصيل يختلقون لهم فتاوى بثمن بخس من أموال البترول الخليجي ترعاه السعودية وقطر والامارات.
ولكن كما صرخت عقيلة الهاشميين زينب الكبرى بنت الأمام على بن أبي طالب أمير المؤمنين بوجه الطاغية الفاسق الفاجر شارب الخمر مداعب القردة "يزيد بن معاوية” وهي واقفة أسيرة في مجلسه وبقصره في الشام وهي تستحقره أمام البلاط وحشود المجتمعين، وهي سلام الله عليها تقول: "أظننت يا يزيد ـ حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء، فاصبحنا نساق كما تساق الأسراء ـ أن بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة، وإن ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بأنفك، ونظرت في عطفك، تضرب أصدريك فرحاً، وتنفض مذوريك مرحاً، جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، وفمهلاً مهلاً... فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين”.
فمن يقرأ التأريخ ويمعن النظر فيه يجد أن الأحداث والمنعطفات قد صنعها الرجال الذين يحملون على عاتقهم مسؤولية كبرى وهؤلاء هم الذين بدأوا في تغيير الواقع المغلف بالزيف وكانت لهم كلمة الحق أمام الجور والظلم وهذا العمل هو الموقف الشجاع والجهادي بوجه الطغاة والظلمة.. حين يكون الاستبداد شرعة الحاكم الظالم والطبقية ميزة الحكم الديكتاتوري والفساد الإداري وتبديل السنن والأحكام الإلهية وفق هوى الحاكم تنعدم أوجه الحياة والتأريخ يكون زيفاً.. من هنا كانت الانطلاقة المباركة لسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام لتبقى خالدة مدى العصور ومرقده الشريف مناراً للأحرار ودعاة العدالة والحرية والمساوة.