وهمُ الهبة السعودية.. والمليارات ’التائهة’
ميساء مقدم
في "عزّ الأزمة" التي مرّ بها لبنان وجيشه في مواجهة المجموعات الارهابية التي احتلّت بلدة عرسال اللبنانية قبل أكثر من عام، أخرجت مملكة آل سعود سلاحها الأفعل للتأثير بالشعوب والرأي العام. المال . خزينة البترودولار امتدّت الى الجيش اللبناني الذي كان أبطاله يخوضون المواجهات الشرسة على الحدود مع التكفير المصدّر من أراضي المملكة. إعلامياً، غطّت أخبار الهبة السعودية المتمثّلة بأسلحة الى الجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، على أخبار المعارك، حتى صارت، بفعلٍ مقصود من المطبّلين لأمراء النفط، "هي الحدث".
الهبة التي صرفت في حينها على أنّها عاجلة وتهدف لمؤازرة الجيش بمواجهة المجموعات الارهابية، لم تصل الى أصحابها بعد مرور أكثر من عام على صرفها. منذ البداية، كانت الشكوك تحوم حول أهداف هذه الهبة، وطريقة تقديمها، حيث وُضعت بيد فرنسا، ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لا بيد الدولة اللبنانية مباشرة التي تدرك جيّداً ما يحتاجه الجيش اللبناني، من عدّة وعتاد.
يوضح وزير الدفاع السابق ألبير منصور لـ"العهد" ملابسات "الهبة المشبوهة". "المساعدة السعودية عندما أعطيت منذ البداية كانت مشروطة سراً بالتمديد للرئيس ميشال سليمان وعودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في تلك المرحلة، ومع تعثّر هذين الشرطين، تعثّرت الهبة وذهبت أدراج الرياح".
يؤكّد منصور عدم ثقته بسلوك هذه الهبة طريقها الصحيح منذ البداية. يقول "هناك شكوك حول المساعدة منذ الاعلان عنها، خصوصاً وأن تنفيذها رُبط بيد الفرنسيين وسعد الحريري شخصياً"، ويخلص الى القول "لقد كانت هبة ملتبسة".
لا يُناقش اثنان في الأبعاد السياسية لأي عرض يُمكن أن تقدّمه المملكة. بحسب المحلل السياسي والاعلامي سالم زهران، يمكن القول إن "الهبة كانت عبارة عن عرض مزدوج، الأول رشوة لفرنسا للوقوف بوجه الاتفاق النووي الايراني، وكان عرضاً لبنانياً للتمديد لميشال سليمان، ومع توقيع ايران على الاتفاق النووي، ومغادرة ميشال سليمان لقصر بعبدا، صارت الاتفاقية حبراً على ورق. السعوديون قدّموا 3 مليار لفظياً وليس عملياً".
قائد الجيش المنزعج لعدم وصول الدعم اللوجستي الذي وُعد جيشه بالحصول عليه في خضم معركته مع الارهاب، أعلن الأمر صراحة. لكن الأسلوب الذي نقلت فيه وسائل الاعلام اللبنانية مقولة العماد جان قهوجي كانت مختلفة. ينقل زهران عن صديقه العماد قهوجي أنه قال الى وكالة "رويترز" في مقابلته الأخيرة ما حرفيته إن "الاتفاقية حتى هذه اللحظة لا تزال على الورق" لكن الصحف اللبنانية نقلتها على الشكل التالي "الهبة حبر على ورق".
لعل كان أفضل خيار تتخذه الرياض خلال المعارك بين الجيش اللبناني والمجموعات الارهابية التي احتلت عرسال، هو وقف مدارس التكفير في مملكتها، وضبط حدودها ومنع تدفّق المجرمين نحو سوريا ومنها الى لبنان، وبذلك، تكون قد أغنت جيشنا عن التزود بأي قطعة سلاح أو هبة مشروطة.