الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم بتفجيرات باريس
عقيل الشيخ حسين
العمليات الإرهابية التي ضربت باريس في 13 تشرين الثاني / نوفمبر الحالي، وما سبقها من عمليات نفذت في فرنسا وغير فرنسا، ولا سيما في الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول / سبتمبر 2001، هي استمرار، بأشكال جديدة، للصراع العربي الإسرائيلي...
هناك اعتبار سائد مفاده أن ما كان يعرف بـ "الصراع العربي-الإسرائيلي" قد تراجع بفعل الانتصارات العسكرية التي حققها الإسرائيليون خلال العقود المنصرمة، وأن هذا التراجع هو الذي فرض اتفاقيات سلام وعمليات تطبيع وعلاقات مباشرة وغير مباشرة وتحالفات معلنة وغير معلنة بين الكيان الصهيوني والعديد من الأنظمة العربية.
صراع بأشكال جديدة
لكن هذا الاعتبار ظاهري وحسب. فالصراع أخذ أشكالاً أخرى مختلفة هي في الحقيقة أشد حدة وأبعد أثراً لجهة ما تشكله من مواجهات لا تقف عند حدود الإطار العربي-الإسرائيلي، بل تصل إلى الإطار الدولي وتتحكم بمصير العالم بأسره.
ويمكن تلمس أشكال الحرب هذه في مجالات عدة منها تصاعد الانتفاضة الحالية في الضفة الغربية وغزة وما يعرف بأراضي الـ 48، ومنها ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في هذه العجالة عبر تلمس تلك الأشكال في الظاهرة الإرهابية التي تفرض نفسها منذ سنوات عديدة بوصفها الحدث الأشد بروزاً بين الأحداث التي تعصف بالمنطقة والعالم.
من هذا المنظور، يمكن القول بأن العمليات الإرهابية الأخيرة التي ضربت باريس ليست مجرد عمليات قتل نفذها إرهابيون عرب أو "مسلمون" وذهب ضحيتها فرنسيون لأسباب تتنوع بتنوع رؤى المحللين وأهوائهم. فهي في العمق لحظة من لحظات الصراع العربي-الإسرائيلي، شأنها في ذلك شأن ما سبقها من عمليات مشابهة، في باريس أو غير باريس، وخصوصاً دون استثناء الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول / سبتمبر 2001.
شعوب الغرب مطالبة بمحاسبة حكوماتها على ضلوعها في دعم الأرهاب
أنواع عديدة من الوقائع تصلح للدلالة على صحة هذا الاعتبار. أية إجابات يمكن تقديمها مثلاً عن السبب في الحضور البارز للعنصرين، العربي-الإسلامي، واليهودي-الإسرائيلي، في الهجمات على نيويورك وواشنطن، ثم في تفجيرات باريس الأخيرة، وقبلها في الهجوم على مكاتب "شارلي إيبدو".
النسبة للحضور اليهودي-الإسرائيلي في الهجمات على نيويورك وواشنطن، تداولت وسائل الإعلام على نطاق واسع أخباراً عن تغيب جميع الموظفين اليهود، وهم يعدون بالمئات، عن أمكنة عملهم في البرجين التوأمين في 11/9 من العام 2001. كما تداولت أخباراً عن أنشطة مكثفة لوكالات الأستخبارات الإسرائيلية خلال الأيام القليلة التي سبقت الهجمات.
أما بالنسبة للحضور العربي-الإسلامي، فلا حاجة للتذكير بأن جميع من يفترض أنهم قاموا بتنفيذ الهجمات هم عرب أو مسلمون، وأن غالبيتهم من السعوديين.
والشيء نفسه يقال عن الهجوم الذي نفذه الأخوان غواشي على مكاتب "شارلي إيبدو"، وأحمدي كوليبالي على أحد المتاجر اليهودية في باريس.
وليس هناك من داع للتوقف طويلاً، في هذا المجال، عند بنيامين نتنياهو عندما تصدر، بين رؤساء دول آخرين، تلك المسيرة التي خرجت استنكاراً للهجوم على مكاتب "شارلي إيبدو"، واتخذت لنفسها مساراً تحريضياً أخذ في الشوارع الباريسية شكل خارطة "إسرائيل".
لكن التوقف الطويل مطلوب أمام التقارير التي أكدت أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت على علم مسبق بالعمليات الأرهابية الأخيرة التي ضربت باريس.
هل يعني ذلك أن أن منفذي الهجمات الإرهابية في بلدان الغرب (عمليات مشابهة نفذت أيضاً في مدريد ولندن) يقومون بالدور الذي قصرت في القيام به الجيوش العربية، على ما تشيعه تلك الجماعات؟ هل يعني ذلك، على ما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، أن الجماعات الإرهابية التي تحمل أسماء إسلامية تحل محل الجيوش العربية في محاربة الكيان الصهيوني من خلال محاربة حلفائها الغربيين ؟
أدلة قاطعة
لا بالطبع. ولكن البروباغندا التي يروجها الإسرائيليون وحلفاؤهم الغربيون تقدم الإرهاب، في الغرب، على أنه من صنع الإسلام وتقنع بذلك شرائح واسعة من الرأي العام الغربي مستفيدة من أدلة "قاطعة" تتمثل بكون الإرهابيين مسلمين يستهدفون الإسرائيليين والغربيين عموماً.
وبالنظر إلى النقص المريع في مضامين الوعي الجماهيري، لا تعبأ البروباغندا بالتناقضات الصارخة بين صورة الإرهاب "الإسلامي" في الشارع الغربي وبين صورته في بيئاته الحاضنة في بلدان المشرق. فالمهم هو أن يقوم هذا الإرهاب بأدواره المرسومة : زعزعة المنطقة والعالم لصالح مشاريع الهيمنة الصهيو-أميركية.
على ذلك، تصبح الظاهرة الإرهابية التكفيرية نوعاً من هجوم معاكس يشنه المحور الصهيو-أميركي وامتداداته الإقليمية (السعودية، تركيا، قطر) على محور المقاومة، رداً منه على الهزائم التي مني بها في الحروب التي اشعلها في المنطقة.
وتصبح التفجيرات التي ينفذها هذا الإرهاب في بلدان الغرب وسائل تبرر بها الحكومات حروبها العدوانية التي تشن تحت أسماء مكافحة الإرهاب.
وهذا يعني أن شعوب الغرب مطالبة بمحاسبة حكوماتها الضالعة في دعم الإرهاب، على ما بات معروفاً من قبل الجميع، بدلاً من الانجرار الغريزي وراء التفسيرات العنصرية للظاهرة الإرهابية، وما يترتب على هذه التفسيرات من أضرار يصعب تحملها من قبل المجتمعات الغربية.