سورية وقمة العشرين التركية.. خلافات بالجملة وقرارات مبهمة
أحمد زين الدين
الدول العشرون الأغنى في العالم اجتمعوا في انطاليا التركية، التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية يحميها أو يحمي ضيوفها أكثر من عشرة آلاف جندي، إضافة إلى آلالاف من رجال الاستخبارات من الدول التي التقى زعماؤها في رحاب السلطان التركي الطوراني الجديد.
الإجتماع في انطاليا جاء على وقع الأحداث الباريسية – "الداعشية”، مما فرض الإرهاب والتطورات السورية البند الأهم على جدول الأعمال.
ثمة حقائق لا بد من الحديث عنها قبل الدخول في هذه القمة وعلاقتها بالتطورات السورية، أبرزها:
1- الفرنسيون ولغوا طويلاً بالدم السوري، ولم يتّعظوا من تجربة "شارلي ايبدو”، لأن رجب طيب أردوغان بعدها طمأنهم أن "داعش” ستكون برداً وسلاماً على بلد مئة نوع من الجبنة، وعلى عاصمة العطور، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن رئيسهم وحكومتهم أيضاً ولغوا بالدم الفرنسي.
2- أردوغان الذي ترتجف أعصابه، رغم لعبته الانتخابية وعودة حزبه بقوة إلى البرلمان، يرى في العمليات الواسعة التي بدأها الجيش السوري في حلب وأريافها تهديداً لأحلامه السلطانية، لأنه ببساطة يجد في تحرير حلب من العصابات التكفيرية سقوطاً للسلطنة، ونهاية له لا يدري أي مصير سيكون عليه؛ هل سيكون كعدنان مندريس أم جلال بايار؟
3- رئيس وزراء كيان العدو "الإسرائيلي” أصرّ في زيارته الأخيرة لواشنطن قبل عدة أيام، على يهودية كيانه العنصري، مضافاً إليه الجولان، أما حل الدولتين فهو – كما سوّق في عاصمة العم سام – تقام في الأردن، التي يجب أن تتمدد حدودها إلى منطقة حوران السورية.. هل تذكرون كيف ساعدت مملكة عبدالله الثاني الإرهابيين على احتلال معبر "نصيب”؟
4- الثالوث اليهودي "غير المقدّس” في باريس؛ برنارد هنري ليفي، والآن فينكليكروت، واندريه غلوكسمان، نظّروا وروّجوا وعملوا وما زالوا لـ”إله” يهوه، لتدمير كل ما هو بهيّ ومشرق وجميل وخلاق في هذا الشرق المعذَّب..
تابعوا هنا المسلسل الدموي في ليبيا واليمن، ومعهما بالطبع سورية والعراق، ومصر أيضاً.
لا تنسوا كذلك أن هذا الغرب بكل عنصريته وعنجهيته صفّق طويلاً لتناثر الطائرة الروسية المدنيّة المنكوبة فوق رمال سيناء، حتى إذا ما جاءت جريمة باريس، كان كمن رمى على رأسه الماء الساخن.
هذا العالم أيضاً وأيضاً مع أعرابه، وكل دول العشرين المجتمعة في انطاليا، لم يعطِ كثير اهتمام للجريمة الإرهابية التكفيرية في برج البراجنة، وقد عبّر عنها وزير الداخلية نهاد المشنوق حينما خاطب السياسيين اللبنانيين، بقوله: "العالم مشغول عنا باليمن وسورية، ولبنان ليس اولوية عندهم”.
"داعش” ببساطة، فتَحَ "اللاوعي” الغربي والأميركي، كما "القاعدة” تماماً، ومشتقاتهما من مختلف الأنواع والأسماء: "جبهة النصرة”، و”أحرار الشام”، و”أجناد الشام”، و”جيش الإسلام”، وهلم جرا، على أنهم ذئاب الحدائق الخلفية لمصالحه وأطماعه، ووسيلته الأهم لنشر "الفوضى الخلاقة”.
هل حقاً هذا الغرب والأميركي يريد مواجهة الإرهاب، وتطبيق مقررات الأمم المتحدة بشأن الجماعات الإرهابية؟
لاحظوا أنه بعد 11 أيلول 2001، وغزو واشنطن لأفغانستان والعراق، مئات الغارات الأميركية في البلدين استهدفت حفلات زفاف، ومآتم، ومهرجانات، وملاعب مدارس واستادات رياضية.. أليس الهدف من ذلك خلق تعاطف مع الإرهاب وجماعاته؟!
مؤخراً، نُشرت صور لقوافل سيارات "داعشية” في سورية والعراق، تسير تحت حماية مروحيات "الأباتشي” الأميركية، فعلى ماذا يدل ذلك؟
وفي المقدمات لقمة العشرين، قبل ساعات من الهجمات "الداعشية” الإرهابية في باريس، والتفجرين الإجراميين في برج البراجنة، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما أشارت "واشنطن بوست” أنه "جرى احتواء تقدم تنظيم الدولة الإسلامية”، ألا يذكّر ذلك بوعد أردوغان لهولاند بعد عملية "شارلي ايبدو”؟
بأي حال، قمة العشرين في تركيا ثبّتت في مقرراتها الختامية إجراءات لمكافحة "داعش” و”جبهة النصرة”، مالياً، ومحاصرة تمويلهما إقليمياً ودولياً، بما في ذلك داخل العراق وسورية.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان صريحاً في هذه القمة بإعلانه أن هناك أربعين دولة تموّل "داعش”، بينها دول تحضر قمة العشرين!
يبدو أن بوتين لم يُرد إحراج الولايات المتحدة، وفرنسا، وتركيا، والسعودية، وغيرها من دول قمة العشرين بتسميتها علناً.. لكن ما هي الإجراءات العملية؟
1- هل تقرر رفع "الكرت” الأحمر بوجه تركيا، لعدم إيواء "الدواعش”، وعدم تأمين خطوط الإمداد لهم، وتسويق النفط المنهوب والذي تتولاه شركات ومافيات تركية، بينهم نجل أردوغان نفسه؟
2- هل جرى تحذير السعودية بعدم التمويل والتسليح لعدة جماعات إرهابية، منها "داعش” بالطبع، التي تستعين بهم الرياض وتوفر لهم الملاذات في اليمن، والأموال الطائلة ليقاتلوا معها في اليمن، ضد الشعب اليمني؟!
مع انعقاد قمة العشرين، صرّح الدمية الأميركية وزير الخارجية السعودي عادل الجبير علناً، أن بلاده ستبقى تمول الجماعات المسلحة التي تقاتل ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
اعتراف صريح وواضح، وإصرار مسبق ولاحق على رعاية مملكة الرمال للإرهاب..
فهل صحيح أن قمة العشرين تعتبر قمة "إنهاء داعش” كما جاء في بعض الإعلام الغربي والعربي؟
ربما حماية رتل سيارات "داعش” من قبل الـ”أباتشي” فيها كثير من الإجابات.