فلسطين ، خدعوها بقولهم ….
أحمد الحباسى
كل القيادات العربية دون استثناء ، كل الكتاب و المثقفون العرب دون استثناء ، كل الساسة العرب دون استثناء ، كل الأحزاب العربية دون استثناء ، كلها تنطق بفلسطين و بالقضية و بحق اللاجئين في العودة و بحق العرب في استرجاع القدس الشريف ، هذا في النظري و في الشفوي ، هذا في وسائل الإعلام العربية المحلية فقط ، الواقع أن هناك أغلبية من هؤلاء كذابون و منافقون و مخادعون ، بدليل أن كل الرؤساء الغربيين يصرحون علنا بأن ما يسمعونه عن فلسطين في داخل الاجتماعات المغلقة ليس هو ما يصرح به القادة العرب في الإعلام ، مع ذلك لقد انتبهنا جيدا أن بيان الأزهر الشريف بمناسبة العام الهجري قد خلا تماما من مجرد كلمة واحدة عن المسجد الأقصى الذي يتعرض إلى أقوى الاعتداءات و أقذر الإهانات من عتاة التطرف الصهيوني العنصري ، هذا في حد ذاته كاف و زيادة للتلميح و ليس التصريح بأن الأزهر له "اهتمامات” أخرى تفوق في أهميتها القضية الفلسطينية ، لعل أحدها الاهتمام بالاعتداء الإرهابي في باريس و ليس الاعتداء الذي ضرب الضاحية الجنوبية في لبنان على سبيل المثال .
الصهاينة يهينون فلسطين بكل الوسائل و الطرق المتاحة ، العرب أيضا يهينون فلسطين بنفس الطرق و الوسائل ، فلا فرق بين الاعتداء الصهيوني الملموس و بين الصمت العربي الملموس ، و مع ذلك يصر القادة الفلسطينيون ، و ما أكثرهم ، على أنهم سيحررون فلسطين و إعطاء أنفسهم المهل تلو المهل من باب تقطيع الوقت و ليس ربحه كما يظن البعض ، قادة على المقاس الفكري الصهيوني يفعلون ما تريده إسرائيل و ليس ما تبغيه و تستحقه فلسطين ، و السيد محمود عباس لا يفرق كثيرا عن خالد مشعل في رؤيتهما للحل ، الأول يراه بالحوار المباشر مع الأعداء و الثاني يراه بالحوار بالواسطة القطرية ، الأول يتحدث عن مفاوضات والثاني يتحدث عن حل تحت الطاولة ، و بين هذا و ذاك تضيع فلسطين و تضمحل لتصيح القضية مجرد مضيعة للوقت و خرافة يقصها الكبار للصغار .
لم يعد أحد يخجل في الإعلام العربي أن يهاجم سوريا و إيران و حزب الله و العراق من باب نصرة المشروع الصهيوني في المنطقة و لم يعد هناك من يخجل من نسيان القضية الفلسطينية و الدعوة إلى " الاستعاضة” عنها بما هو أهم ، فحظ القضية الفلسطينية أنها "عاشرت” عهودا عربية ساقطة و أفكار أنظمة عميلة و موتا سريريا للشعوب العربية المنهكة ، فهناك من يروج دون خجل للرؤية الصهيونية لحل القضية الفلسطينية مع أن مجرد النظر و المقارنة مثلا بين خريطة فلسطين 1948 و خريطة فلسطين 2015 كاف و زيادة للتعبير عما حصل من انتهاك صهيوني للمقدسات و للأرض و أن هذه المفاوضات العبثية الغبية المشبوهة المكررة هي مجرد مضيعة للوقت فالتاريخ لم يتحدث يوما عن أرض مغتصبة استرجعها أصحابها بالدعاء و النوايا الطفولية الحسنة ، و إذا كان البعض لم يعد مقتنعا بشعار " ما أخذ بالقوة لا يأخذ بغير القوة” فما المانع أن يدلنا هؤلاء عن الطريق المؤدية لتحرير فلسطين حتى من باب الدال على الخير كفاعله .
لقد أمم النظام العربي كل الأفكار و النوايا و اختزل القضية الفلسطينية في مجرد إحياء الذكريات بين المناسبة و الأخرى ، يوم الأرض ، يوم للنكبة ، يوم لوعد بلفور ، يوم لصبرا و شاتيلا ، يوم للقدس ، متفرقات تؤكد أن القيادة لا تملك خطة و لا تملك رؤية إستراتيجية متكاملة لتحرير فلسطين ، و من المفارقات الحزينة أن هذه العدوى قد انتقلت إلى عقول المنظمات العربية و مثقفيها و طليعتها الفكرية فصارت فلسطين مجرد مناسبة لاجترار الذكريات و النبش في الأطلال و التنابز بالمواقف ، فلا مظاهرات ضاغطة على السفارات ذات العلاقة بمساندة الصهاينة ، و لا اختلاط بالنخب الفكرية الغربية لشرح الموقف و لا دعوة مستجابة للأنظمة العربية للتفاعل مع القضية بشكل واضح ، هكذا تركوا فلسطين بعد أن خدعوها بالشعارات الرنانة و الخطط الزائفة طيلة نصف قرن من الزمن ، هكذا انصرفوا عن " أمهم” القضية الفلسطينية و هكذا شاهدت الشعوب العربية عقوق الأنظمة و موت ضمير المثقفين .
لم يعد غريبا أن نسمع من إسرائيل نفسها أن العرب باعوا القضية و قبضوا الثمن كلا كما يريد ، أنظمة " قبضت” الثمن في شكل حماية دائمة لعروشها الآيلة للسقوط بفعل التدافع الاجتماعي الرافض للكبت و الطغيان ، أنظمة "قبضت” الثمن في شكل صمت على جرائمها و تهريبها للمال العام ، أنظمة " قبضت” الثمن في شكل وعود بتوريث أبناءها و حماية " مستقبلهم " المهدد ، و لم يعد غريبا أن تجاهر بعض الأنظمة بأن إسرائيل ليست العدو و أن التطبيع وجهة نظر ، و لم يعد أحد يتذكر تلك اللاءات الثلاثة ، لا صلح ، لا تفاوض ، لا اعتراف ، بعد أن تحولت ، نعم للصلح ، للتفاوض ، للاعتراف ، فماذا غير العقول لتصبح غير العقول ؟ ما الذي يدفع هؤلاء اليوم إلى التعتيم على انتفاضة السكاكين ؟ لماذا ترفض الأنظمة العربية حتى مجرد إلقاء حجرة على حاجز عسكري صهيوني ؟ هل هناك ملاحق سرية بين هؤلاء و العدو تمنع مثل هذا الشكل من المقاومة الفلسطينية ؟ متى سيصبح الجهاد في فلسطين فرض عين ؟ متى ستكذب مصر العربية صحيفة معاريف الصهيونية حين تفوهت " أن أهم نتيجة لحرب عزة هو تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع مصر " ؟ …بالمناسبة فلسطين ما زالت على ذلك السؤال ، ألا تزال الرصاصة في جيب العرب ؟…
..