القوقازيون بين الولاءات المشتتة والضربات الروسية
محمد محمود مرتضى
ما ان انطلقت الغارات الروسية ضد الارهاب في سوريا حتى سارع أمير "جبهة النصرة” - ذراع تنظيم القاعدة في سوريا - أبو محمد الجولاني في تسجيل صوتي، الى دعوة "جهاديي القوقاز” لشن هجمات في روسيا ردا على تدخلها العسكري الجوي.
وناشد الجولاني "المجاهدين الأبطال في بلاد القوقاز” مساندة السوريين قائلا: "اذا قتل الجيش الروسي من عامة أهل الشام، فاقتلوا من عامتهم وان قتلوا من جنودنا فاقتلوا من جنودهم” مضيفا "المثل بالمثل ولا نعتدي”.
وقال الجولاني في التسجيل الذي حمل عنوان "التدخل الروسي السهم الأخير”، إن هذا التدخل "لاحت بوادر هزيمته من بدايته المتعثرة حيث أن ضرباتهم إلى يومنا هذا لم تزد شيئا عن ضربات النظام السابقة لا في عشوائيتها من حيث الأهداف ولا من حيث دقة الإصابة”، مضيفا "سيكسرون بإذن الله على عتبات الشام”.
القوقاز
وحذر الجولاني من أن "الحرب في الشام ستُنسي الروس أهوال ما لاقوه في أفغانستان”، داعيا جميع الفصائل في سوريا إلى "وقف جميع أنواع الاقتتال الداخلي” بينها و”إرجاء الخلافات لحين زوال وانكسار الحملة الصليبية الغربية والروسية على أرض الشام”.
لقد كشفت هذه الدعوة زيف ما حاول البعض تسويقه حول "سوريا” هوية جبهة النصرة وعدم وجود امتدادات لها في الخارج، دون ان ننسى حجم العناصر الشيشانية والاويغورية الصينية داخل الجبهة.
على ان دعوة الجولاني لطرح الخلافات جانبا تناغم معه امير تنظيم القاعدة ايمن الظواهر الذي بعث برسالة صوتية بعد كلمة الجولاني داعيا لنبذ الخلافات مع تنظيم داعش، وتوحيد البندقية ضد روسيا واميركا وايران والنظام «النصيري» في سوريا.
على ان الظواهري والجولاني كلاهما معا قد تجاهلا الدعم الصهيوني الذي تتلقاه جبهة النصرة في الجبهة الجنوبية لسوريا.
وعلى أي حال، ينتمي «مجاهدو القوقاز» في الغالب للمناطق الإسلامية التي تقع ضمن روسيا الاتحادية مثل الشيشان، وداغستان، وأنغوشيا، فضلا عن بعض جمهوريات آسيا الوسطى مثل أذربيجان، وقيرغيرستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وفي هذا الإطار يتسم «جهاديو القوقاز» بعدة خصائص تميزهم عن الكوادر والمقاتلين المنخرطين في الصراع الأهلي في سوريا. اذ يتمتع هؤلاء بعلاقات قوية مع الحركات والجماعات المسلحة التكفيرية كتنظيم القاعدة بمختلف فروعه في العالم وخاصة في بؤر الصراع في سوريا والعراق وأفغانستان.
ففي 31 تشرين الاول/ أكتوبر 2007 أُعلن عن تأسيس «الامارة الاسلامية» بقيادة دوكو عمروف، بدعم قوي من تنظيم القاعدة وأحد أهم فروع التنظيم الدولي، ثم تولى قيادة الإمارة أبو محمد الداغستاني في آذار/ مارس 2015، لكن قتل الداغستاني على يد القوات الروسية جعل التنظيم دون قيادة، ما دفع قياداته للانجراف مع ميول الكوادر الشبابية والانضمام لـ«داعش». اذ أن هناك العديد من المقاتلين القوقاز أعلنوا بيعتهم لزعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي، ليستفيدوا من الهالة الإعلامية والسمعة القوية بين الجماعات الراديكالية ما يهدد الأمن القومي لروسيا.
وفي حزيران/ يونيو 2015، أعلن مسلحون إسلاميون في أربع من جمهوريات القوقاز الروسية مبايعتهم «داعش»؛ ما أثار مخاوف جديدة من تعاظم نفوذ الجماعة وسط جيل الشباب في المنطقة.
وبالإضافة الى وجود "القوقازيين” في روسيا بشكل كبير، يعدُّ انضمامهم إلى ساحة القتال في سوريا أحد أهم قرار لروسيا بشن حرب ضد الجماعات الإرهابية، فقد قال النائب الأول لمدير «جهاز الأمن الاتحادي الروسي»، سيرجي سميرنوف، إن هناك ما يقارب الـ 3000 مواطن من آسيا الوسطى في المجمل يقاتلون في صفوف «داعش».
ومن بين أبرز الكتائب التابعة للقوقازيين في سوريا، "جيش المهاجرين والأنصار” الذي يعد أول وأقوى التنظيمات العسكرية القوقازية في سوريا، وتم تشكيله بقيادة أبو عمر الشيشاني في ايلول/ سبتمبر 2012، وركز على استهداف القواعد العسكرية للجيش السوري، في حلب قبل أن يقوم أبوعمر الشيشاني بمبايعة البغدادي وينضم لداعش. وفصيل صلاح الدين الشيشاني، الذي انشق عن جيش المهاجرين والأنصار وانضم برفقة العناصر التابعة له إلى جبهة النصرة، ويقدر عددهم بنحو 300 مقاتل. كذلك تنظيم "مجاهدي القوقاز والشام” الذي تشكل من المنشقين عن جيش المهاجرين والأنصار بقيادة سيف الله الشيشاني، ويتسم بالقرب من نهج تنظيم القاعدة، وقد بايع أيمن الظاهري. وعقب مقتل سيف الله الشيشاني تولى محمد الخراساني قيادة التنظيم، وأعلن ولاء التنظيم لجبهة النصرة. وأخيرا تنظيم «جند الشام» بقيادة أمير مسلم أبو الوليد، وهو تنظيم مستقل يضم قوميات متعددة ناطقة بالروسية ولم يعلن الولاء لتنظيم داعش ولا لجبهة النصرة.
لا شك ان الوضع الحالي للقوقازيين، يتمثل بأنهم يعيشون فترة من التشتت والضعف في ظل الضربات القوية للقوات الروسية . فقد تفككت بنية «إمارة القوقاز» التابعة للقاعدة، والتي يمثلها الجولاني في سوريا، بعد اعلان قيادات التنظيم في ولايات «الشيشان وداغستان وأنجوشيا وكابيكا» مبايعتهم لتنظيم "داعش” في نهاية حزيران 2015، وهو ما يُعد تهديدًا لنفوذ القاعدة الذي استمر لعقد كامل في دول القوقاز .
صحيح ان دعوة الجولاني، لن يكون لها صدى بالشكل المتوقع وبالقوة التي كان عليها تنظيم القاعدة سابقاً، لكن السياسة الروسية الحالية تقوم على مواجهة الجماعات الارهابية في معقل نفوذها، قبل أن يؤدي تعاظم دورها إلى التأثير في الوضع الأمني في روسيا الاتحادية، لا سيما وان الاخيرة مقبلة على تنظيم عدد من الفعاليات الدولية الكبرى، أهمها بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2018.