الساحة الداخلية أمام أشهر ساخنة والمطلوب شبكة أمان أمنية وسياسية
حسن سلامة
انتعش في الأسبوعين الماضيين الحراك الإرهابي للمجموعات المتطرفة بعد نحو ثلاثة أشهر من الهزائم التي تعرضت لها هذه العصابات عقب الإنجازات التي حققها الجيش السوري في المناطق المحاذية للحدود مع لبنان، ونتيجة الضربات الناجحة التي تمكنت الأجهزة الأمنية اللنبانية من توجيهها إلى الإرهابيين عبر توقيف عشرات الخلايا ورؤوس كبيرة تقود هذه المجموعات وتحركها للقيام بعمليات إرهابية تستهدف الاستقرار الداخلي.
إلاّ أن السؤال المركزي الذي طرح في الأيام الأخيرة يتمحور حول الأسباب التي دفعت التنظيمات المتطرفة إلى إعادة تحريك الخلايا التابعة لها في أكثر من منطقة لبنانية والأهداف من العودة إلى الأسلوب الإرهابي. وتشير مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع إلى أن ما أدى إلى هذا التحريك يشمل أموراً عديدة أبرزها:
ـ أولاً: انسداد أفق التسويات على صعيد الملفات الإقليمية من العراق إلى سورية إلى المسألة الفلسطينية وبخاصة تقاطع المصالح بين تركيا والسعودية من ناحية، والتحرك الضاغط للمتشددين داخل الولايات المتحدة في الإدارة والكونغرس ومواقع القرار الأخرى من ناحية ثانية، بالإضافة إلى كيان العدو "الإسرائيلي”. تحرّك هؤلاء ضمن مخطط واحد لنسف التسويات في المنطقة بعدما شعروا أن قوى الممانعة تمكنت من تحقيق إنجازات كبرى في غير موقع من مواقع الصراع في المنطقة، خاصة في سورية، من خلال الإنجازات العسكرية للجيش السوري واحتضان الشعب السوري لقيادته بالتصويت الكثيف وإعادة انتخاب الرئيسي بشار الأسد بما يمثّل من رمزية استثنائية في مواجهة المشروع الأميركي ـ "الإسرائيلي”.
ـ ثانياً: أكدت الانتخابات النيابية في العراق أيضاً احتضان أكثرية الشعب العراقي النهج الذي تمثله الحكومة الحالية، بغض النظر عن بعض الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في التعامل مع المكونات العراقية السياسية والطائفية، وبالتالي شكلت هذه الانتخابات نقطة إضافية لمصلحة مواجهة الردة التي تمثلها السياستان السعودية والتركية وإنجاز جديد لقوى الممانعة.
ـ ثالثاً: من ذلك كله تم تحريك المجموعات المسلحة المنضوية في تنظيم "داعش” ومجموعات أخرى تتلقى الدعم من السعودية وتركيا، بغية الانقضاض على العراق لسرقة ثرواته، ولإضعاف الحلف المعادي لتقسيم دول المنطقة والهيمنة الأميركية ـ "الإسرائيلية”. ولذلك حصل ما حصل في عدة محافظات عراقية قبل نحو أسبوعين من دخول تنظيم "داعش” إلى هذه المناطق بعد تحييد قطعات الجيش العراقي المتمركزة في هذه المناطق بالمال وبالغرائز المذهبية.
لذا تقول المصادر إن هذه التطورات دفعت المجموعات المتطرفة إلى التحرك مجدداً في لبنان لإرباك حزب الله وما يمثله من عمق استراتيجي في قلب الحلف المقاوم للمشروع الأميركي ـ "الإسرائيلي”، وفي الوقت ذاته استهداف الساحة اللبنانية بدءاً من الأجهزة الأمنية لما تشكله من نقطة ارتكاز أساسية في مواجهة التطرف والإرهاب ومنع اي محاولات لإشعال الفتنة في لبنان، وتعتقد المصادر أنه إذا لم تكن للتيار الذي يمثله الملك السعودي والمؤيدون لنهجه علاقة مباشرة بما يحصل اليوم في لبنان فإنه يستبعد ـ بل يؤكد ـ أن للتيارات الأخرى التي يقودها سعود الفيصل وبقايا المؤيدين لبندر بن سلطان دوراًفي تحريك المجموعات المتطرفة لإرباك حزب الله وإعادة الضغوط عليه كي ينسحب من سورية، وفي الوقت نفسه استخدام الساحة الداخلية ورقة ضاغطة في المساومات المتوقعة في اللعبة الإقليمية.
لكن المصادر تكشف في الوقت نفسه أن مشروع المتطرفين من "داعش” وغيرها يلاقي دعماً سعودياً وتركياً ومن "إسرائيل” والمتشددين في الولايات المتحدة، يسعى أيضاً إلى إعادة ربط منطقة الزبداني مع رنكوس السوريتين، وصولاً إلى منطقة عرسال وجرودها، لمعاودة الإمساك بهذه المنطقة الواسعة مجدداً، ولذلك أدخلت مئات العناصر المتطرفة إلى جرود عرسال في الأيام الماضية، ولا يستبعد أن تكون تلك التنظيمات تعمل أيضاً على التوسع نحو مناطق أخرى للإمساك بها، وإلا ما هي مبررات إعادة تحريك المجموعات المتطرفة في بعض مناطق الشمال، خاصة في باب التبانة تحت شعارات "داعش” و”النصرة”، بالإضافة إلى حصول تحريك للخلايا الإرهابية في عين الحلوة ومناطق أخرى.
ترى المصادر أن لبنان والمنطقة أمام أشهر ساخنة قبل تبلور التسويات الإقليمية، لذلك فإن المطلوب داخلياً إقامة شبكة أمان سياسية أمنية تبدأ بتوفير الغطاء السياسي الكامل للأجهزة الأمنية مع تعزيزها عدة وعدداً، ولا تنتهي بتحريك عمل المؤسسات والاتفاق على رئيس للجمهورية مضمون وطنياً وضمن ثوابته مواجهة ما يخطط للبنان والمنطقة.