kayhan.ir

رمز الخبر: 28951
تأريخ النشر : 2015November07 - 20:36

الانتخابات التركية تؤسس “ديموقراطية الخوف”

رضا حرب

عندما يحقق المستبد نصراً ملحوظاً يرتفع منسوب "جنون العظمة وجنون الارتياب”، النتيجة الحتمية فوضى ومزيد من الاستبداد.

خلافاً لتوقعات الخبراء بالشؤون التركية ومراكز استطلاعات الرأي، فقد حقق اردوغان نصرا غير طبيعي في ظل ظروف غير طبيعية وحملات انتخابية غير طبيعية. يجب ان نعترف ان الرجل يدرك تماماً كيف يفكر الاتراك فاستغلها احسن استغلال وفرض نفسه وفق معادلة "انا الدولة والدولة انا”. وضع الشعب التركي امام خيارين احلاهما مر "انا او الفوضى”، من الطبيعي ان يختار الشعب التركي الاستقرار، فهل هو الخيار الصحيح؟ الانتخابات التركية

قبل الاجابة على السؤال، دعونا نسلط الضوء على اهم العوامل التي اعطت اردوغان هذا النجاح غير المتوقع؟

عامل التخويف: خلال الخمسة اشهر التي سبقت الانتخابات، اعلن اردوغان الحرب على حزب العمال الكردستاني، وتم الاعتداء على اكثر من 400 مركز لحزب الشعوب الديموقراطي، ثم في اوج الحملات الانتخابية جاء تفجير سوروش الذي ادى الى مقتل واصابة المئات من مؤيدي حزب الشعوب الديموقراطي. وتتويجاً لـ”ديموقراطية الخوف” هدد احمد داود اوغلو المعارضين بعودة سيارات طوروس البيضاء تجوب شوارع جنوب شرق تركيا[**] – هذا النمط من التهديد غير مسبوق إلا في ظل اعتى الديكتاتوريات، نظامي بينوشيه وصدام. كل ما تقدم كان بمثابة رسائل للاكراد تخيرهم بين القتل واردوغان. تيقن الاكراد ان إردوغان قادر ومستعد ان يستخدم كل وسائل العنف لتحقيق النصر في المعركة الانتخابية. كأي حزب عقلاني وحريص على ارواح الناس، اضطر حزب الشعوب الديموقراطي الغاء المهرجانات الانتخابية حتى لا يتعرض الناس الى عمليات قتل جماعية تُنسب لداعش بشكل او بأخر.

استخدم اردوغان وحزبه "القتل والتهديد بالقتل” كأفضل وسيلة لاستقطاب الخصوم الخائفين او ابعادهم عن صناديق الاقتراع، الامر الذي يمكن ان يدفعهم الى حمل السلاح ولو بعد حين. هذا الامر لا يدركه التفكير المتوحش لاردوغان.

احتكار الاعلام: في التعاطي مع خصومه ومنافسيه، طبق المقولة المنسوبة للملك لويس الرابع عشر "انا الدولة والدولة انا” بحذافيرها لتشكل السلوك الديكتاتوري لإردوغان. كل من خالف او عارض قراراته ولو بكلمة بات ملاحقاً بتهمة الخيانة. اردوغان ورجال حزبه خط احمر من غير المسموح تجاوزه.

لأن الدستور التركي ينص على وضع الرئيس فوق الخلافات السياسية، استخدم اردوغان موقعه كي يرسم استراتيجية "الخوف” لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات، وسخر كل قدرات الدولة لقمع الإعلام، فشن حملة غير مسبوقة ضد الاعلام المعارض والمستقل. تعرض اعلاميون من المعارضة والمستقلين للاعتقال، واغلق عدد من الصحف ومحطات التلفزة وهدد باغلاق المئات من المدارس التابعة لحليفه السابق "غولن”. فضلاً عن ذلك، فقد سخَّر الإعلام الوطني الذي تملكه الدولة لخدمته وخدمة حزبه في مخالفة دستورية فاضحة.

الاستقطاب المذهبي والاثني: في الاشارة الى زعيم الحزب الجمهوري العلماني انه من اتباع المذهب العلوي، كان اردوغان يخاطب السُنة لإثارة الحماسة المذهبية لدى المتدينين، وهو الامر الذي ادى الى هذا الاقبال غير المسبوق في اي انتخابات تركية. وفي حربه على الاكراد، كان اردوغان يخاطب مؤيدي الحزب القومي بأنه اشد تعصباً للقومية التركية. نجح في استقطاب مؤيدي الحزب الاسلامي الاخر – حزب السعادة، ونسبة لا بأس بها من مؤيدي الحزب القومي. لكن يجب الالتفات الى ان هذا الاستقطاب المذهبي والاثني كشف حدة الخلل بين مكونات المجتمع التركي.

حقق اردوغان مبتغاه، ماذا بعد؟

في السياسة الخارجية، يعتقد بعض المراقبون ان اردوغان بموجب التفويض الشعبي سيتشدد في مواقفه تجاه الازمة السورية خصوصاً المتعلق بإقامة المنطقة العازلة الامر الذي سيدفع المملكة العربية السعودية الى المزيد من التشدد خاصةً في ظل حكم الصبية الذين وضعوا مملكة القهر في وضع لا تُحسد عليه.

اردوغان ليس في وضع يسمح له بتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها الروس ومن غير المسموح له توريط حلف الناتو في طموحاته. ما اشار له الامريكيون حول اشتعال الحرب في البلقان بسبب اللاجئين سيرد الروس في شرق اوكرانيا وجنوب شرق تركيا، والصواريخ الامريكية في تركيا تقابلها صواريخ روسية في اللاذقية. تراجع روسيا في سوريا ليست على جدول اعمال بوتين ولا على جدول اعمال ايران او المقاومة.

في السياسة الداخلية، بعد يومين على فوز حزب العدالة والتنمية، قامت اجهزة الامن التركية بحملة اعتقالات ضد اتباع "غولن” لان إردوغان اعتبر نجاحه تفويض يسمح له باحتكار السلطة من موقعه الرئاسي كأمر واقع حتى لو فشل في اجراء تغيير دستوري من النظام البرلماني الى النظام الرئاسي، ومن المتوقع ايضا ان يستخدم هذا التفويض في احكام قبضته على الجيش والاجهزة الامنية والاعلام وضرب خصومه بيد من حديد. من المؤكد انه سيتشدد في تعامله مع الخصوم لتثبيت هذا النمط من الديموقراطية التي لم يشهدها العالم منذ صعود ادولف هتلر -"ديموقراطية الخوف”.