المستقبل يورط نفسه.. ويتراجع تفادياً للأسوأ
جهاد حيدر
تحت سقف استراتيجية الانتظار العقيم.. حاول حزب المستقبل أن يتذاكى ويحشر حزب الله لانتزاع تنازلات منه تتصل بالموقف من الشراكة الفعلية والتخلي عن حليفه الاستراتيجي ميشال عون. وكانت النتيجة ان تسبب لنفسه بفشل اضافي لرهاناته وتقديراته.
من الصعب القفز فوق المواقف التي أطلقها وزير الداخلية نهاد المشنوق كما لو أنها موقف انفعالي او تقدير فردي لوزير رفيع في المستقبل، وهو الذي كان يتحدث من نص مكتوب. وتحديدا عندما يتعلق الامر بـ "خطوة أولى للخروج من الحكومة والحوار" وربط ذلك بتنازلات المطلوب من حزب الله أن يقدمها ومحورها التخلي عن حليفه ميشال عون. ومن المسلَّم به أن قرار الخروج من الحكومة أو الحوار، لا يتخذه الوزير المشنوق أو غيره من الوزراء.
إلى ماذا استند الوزير المشنوق حتى رفع سقف التهديد الى مستوى التلويح بالخروج من الحكومة والحوار. ولماذا عندما تلقى رد حزب الله الحاسم على لسان أمينه العام، تراجع وغيَّر خطابه السياسي؟
يصح الافتراض بل الجزم أنه في أقل الاحوال تشاور الوزير المشنوق في مضمون المواقف التي أطلقها، مع رئيس الحزب سعد الحريري وهو ما أكدته تقارير اعلامية لاحقة. وعلى ذلك، من غير المقبول فصل موقف دقيق كالذي أطلقه حزب المستقبل على لسان المشنوق، عن قراءته وتقديرات للواقع السياسي المحلي والاقليمي. ومن المؤكد أن المستقبل عندما اتخذ موقفا بحشر حزب الله، ووضعه بين خياري التنازل والتراجع أو الدفع نحو اسقاط الحكومة والحوار، لم يكن يستبعد أن يقبل بالخيار الاول، وإلا يكون كمن كان يبحث عن سيناريو تفجيري وهذا ما ثبت عدم صحته عندما تراجع امام موقف حزب الله الحاسم.
المستقبل يورط نفسه
ومن الصعب القبول بمقولة أن المسألة لم تكن سوى مجرد تهديد. كما لو أنها "فشة خلق" أو "ثورة غضب". بل ينبغي من أجل أن يحقق أي تهديد أهدافه، على المتلقي أن يشعر بأنه جدي. هذا هو منطق السير على حافة الهاوية، وإلا يصبح التهديد عديم الجدوى.
لكن الذي حصل أن حزب الله رد على تلويح المستقبل، برفض الابتزاز وسياسة التعالي، (الله معكم. مع السلامة)، سواء فيما يتعلق بجلسات الحوار أو الحكومة. الامر الذي أعاد الكرة الى ملعب المستقبل الذي بات عليه أن يتخذ قرارا مفصليا إما بتنفيذ تهديده أو التراجع والانكفاء. ولم يكن مفاجئا أن يتم ايجاد مخرج، بشكل أو بآخر، بهدف تقليص الأضرار.
واذا ما حاولنا التفتيش عما ورط المستقبل في هذه الرهانات في هذا التوقيت. لا نجد تفسيرا سوى أنه اعتبر ان المعركة في السورية تتجه كي تكون أكثر احتداما وهو ما سيدفع حزب الله الى تعميق مشاركته فيها.
في المقابل، قد يكون هذا المستجد بنظر حزب المستقبل فرصة مناسبة لابتزاز حزب الله، في ضوء حاجته الى استقرار الساحة اللبنانية أكثر من أي وقت مضى، كي يتفرغ للمواجهة في سوريا. لكن بالرغم من أن هذا المفهوم صحيح من حيث المبدأ. لكن الصحيح ايضا أن حزب الله يقاتل دفاعا عن لبنان والامة. وبالتالي لن يسمح بابتزازه لانتزاع تنازلات تتصل بثوابته في الساحة اللبنانية.
وتجدر الاشارة أن الاسرائيلي راهن في فترات سابقة انطلاقا من نفس الرؤية بأن انخراط حزب الله في سوريا قد يردعه عن الرد على اعتداءات محددة ضد قدرات حزب الله لكنه بعدما تلقى ردا كان أقرب الى رسالة مضادة عاد وانكفأ في حينه.
يبقى أن نقول اذا ما افترضنا – جدلا -ان النص والموقف كان اجتهادا شخصياً من الوزير المشنوق، بعدما خابت رهاناته وآماله.. فإن منطلق التهديد والرؤية التي انطلق منها تبقى متمحورة بمحاولة حشر حزب الله استنادا لحاجته لاستقرار الساحة اللبنانية في الوقت الذي يخوض معركة وجود في سوريا. ويبقى الرد هو الرد نفسه لاسقاط رهانات المراهنين..