الامام السجاد (ع) وسلاح الدعاء لفضح أبناء الطلقاء
أعطت ثورة الامام الحسين عليه السلام ووقفته البطولية يوم الطف دروسا في الأخلاق والإباء والتضحية أكثر مما تحصى ويعجز الوصف عن إحصاء مفرداتها فأصبح الحسين (عليه السلام) رمزاً للثائرين في كل مكان من الأرض وفي كل الأديان والملل، ومن عجائبها هو استمراريتها فبعد أكثر من 1370 عاماً لا تزال شعلتها تتقد في نفوس المؤمنين فأقيمت على منهجها دولاً وممالك نشرت الخير والإصلاح وأضحت مناراً للمستضعفين ولطلاب الحرية على مر العصور.
وقد أسس قيام ثورة عاشوراء والنتائج التي رسمتها وطبعتها على مسار التاريخ الإسلامي نهجاً إسلامياً متميزاً كالاستقلالية التي تمثلت بالفقه الإسلامي الذي يختص سنده بأئمة أهل البيت(ع) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ووضعت حداً فاصلاً بين ما هو اسلامي حقيقي وبين المبادئ الدخيلة على هذا الدين القيم وأزاحت الستار عن حقبة تاريخية إسلامية كانت تعد مرجعاً إسلامياً أوجدها وأبتعدها أبناء الطلقاء ويواصل مسيرتها أحفادهم وأنصارهم حتى يومنا هذا لتفريق الأمة وتمزيق جسدها وشرخ وحدة صفها، فعزت حالة الخلل والانحراف وفرزت السلبيات التي رافقت الدعوة الإسلامية منذ نشوئها.
فقد نشر الأمويون مبدأ قدسية الحاكم وإحكام مبدأ السيف بدل المقاييس الإسلامية التي كانت سائدة وكذلك أعادوا العصبية القبلية والقومية واتخذوها شعاراً للحكم في عهد معاوية وحتى في عهد عثمان من قبل مما ألغى الصفة الدينية للخليفة. ومن هنا فان قيام الامام الحسين (ع) على هذا الواقع الفاسد هي إعادة تشكيل للقيم الدينية التي يقدسها المسلمون.
وأعلن الامام الحسين (عليه السلام) اهداف ثورته هذه منذ اليوم الأول من خروجه من المدينة فعند لقائه (ع) بمروان وعند محاولة الأخير تحسين صورة أمر بيعة يزيد في عين الامام (ع) أجابه (ع) قائلاً:على الاسلام السلام إذا بليت براع مثل يزيد، ولقد سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان فاذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه وقد رآه أهل المدينة على المنبر فلم يبقروا بطنه فابتلاهم الله بيزيد الفاسق.
وجاءت مشيئة الباري تعالى في أن يبتلى الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في يوم عاشوراء بمرض أسقطه الجهاد ومقاتلة الأعداء وليبقى رمزاً صادحاً ومنبراً لتوعية الرأي العام الاسلامي وغيره في ذلك الزمان لمعرفة الاسباب الحقيقية التي تكمن في ثورة أبيه الامام الحسين (ع) وما جرى في كربلاء من إراقة الدماء الطاهرة والزكية في حرب ضروس وغير متكافئة تألب عشرات الآلاف من انصار وأعوان الطاغية يزيد كان الكثير منهم ممن كتب يدعو الامام الحسين (ع) التعجيل بالقدوم الى الكوفة واقامة الصرح الاسلامي الحقيقي واذا بهم ينقضوا عهودهم ويتألبوا على فئة صغيرة جداً لم يتجاوز عددها ال73 مؤمناً ، وما دار ودار من مآس ومصائب واجرام يذكره التأريخ دون استحياء أو خجل .
ومن هنا انطلقت مسيرة الامام زين العابدين (ع) في توعية الافكار المهجورة والمضللة وبرز بكل قوة على مسرح الحياة الاسلامية كألمع مفكر وداعية وسياسي إسلامي متصدي لتزوير وتزييف أبناء الطلقاء ووعاظ سلاطينهم حيث استطاع بمهارة فائقة أن ينهض بمهام الامامة وإدامة نهضة والده الامام الحسين (ع) حيث حقق انتصارات باهرة عبر خطبتيه التي القاهما في مجلس ابن زياد في الكوفة وامام الطاغية يزيد في الشام والتي كان لهما الأثر البالغ في إيقاظ الأمة وتحريرها من عوامل الخوف والارهاب والانحراف والتزييف والاعلام الموهم ليروي للناس كيف أن الحقيقة قتلت عطشى في كر وبلاء وسلبت وذبحت من الوريد الى الوريد وداست الخيول صدرها بحوافرها لا ذنب لها سوى انها أرادت الاصلاح في أمة الرسول محمد (ص) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أمرنا بذلك الدين الاسلامي الحنيف.
لقد كان الامام السجاد (ع) من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً في دنيا الشجاعة والبطولات، وظل يلقي الأضواء على معالم الثورة الحسينية، ويبث موجاتها على امتداد الزمن والتاريخ ، رغم كل ما استخدمته بني أمية من أنواع وأكثر الحيل لتضليل الرأي العام بسراب اعلامها وخديعته التي استوحت السذج من المسلمين وكان لابد من إظهار الحقيقة وتبيينها حتى لاولئك الذين تغافلوا عمداً لعدم معرفة أهداف الثورة الحسينية ودوافعها التي جاءت لاحياء الاسلام والسنة النبوية والسيرة العلوية وتوعية المسلمين وكشف الماهية الحقيقية للأمويين وإصلاح المجتمع واستنهاض الأمة لإنهاء استبداد بني أمية وتحرير ارادتها من حكم القهر والتسلّط وإزالة البدع والانحرافات واقامة الحق وتقوية أهله وتوفير القسط والعدالة الاجتماعية وتطبيق حكم الشريعة الصادقة عبر إنشاء مدرسة تربوية رفيعة وإعطاء المجتمع شخصيته ودوره.
وقد نجح الامام السجاد (ع) في ابقاء نهضة الامام الحسين (ع) حية ما بقي الدهر وبكلا شقيها "الحق المضيع والجسم المقطع" .. فاما الجسد المقطع فانتهت قضيته في يوم عاشوراء عندما ذبحت الحقيقة وقطعت أوصالها أرباً أربا وان بقي الجانب المأساوي له يلهب القلوب أسفا حتى قيام يوم الدين وتتجدد ذكراه كل عام .. ولكن الحق المضيع هي القضية الأكثر خلودا وبقاءا لان الامة ترى في الامام رمزا للمبدأ الحر وروحا لمحمد وعلى ذبح من الوريد الى الوريد مع اهل بيته واصحابه الابرار في سبيل الرسالة المحمدية الاصيلة .. وقدم الغالي والنفيس في سبيل اعلاء كلمة الحق كلمة الاسلام كلمة الله سبحانه وتعالى .. وأضحت مناراً لكل الأحرار والمظلومين في كل مكان ولهذا ترى الشعوب العالمية برمتها وبكل اديانها أن الامام الحسين عليه السلام منهاجا ثوريا متكاملا.. وسيبقى خالدا ما خلد الدهر.
جميل ظاهري