حين يموت ضميرك….
أحمد الحباسى
بإمكانك أن تزعم أن ما يحدث في سوريا هي ثورة و أن القتلة مجاهدون و أن النظام عميل للصهاينة و أن الشعب السوري كافر و أن الدولة ملحدة و أن الزنا و العهر جهاد مقدس و أن تدمير الآثار و الحضارة الإنسانية هو إشهاد بالوحدانية و أن الجلوس مع الصهاينة شراكة تجارية نفعية ، و أن فلسطين ليست من الأولويات و أن الأنظمة الخليجية ديمقراطيات و أن يوسف القرضاوى هو زعيم الأمة و أن أسامة بن لادن هو سيد المجاهدين ، و أن فيصل القاسم هو الأب الروحي للنهضة الإعلامية و أن عزمي بشارة هو منظر الأمة و أن حمد بن خليفة هو أمير المؤمنين و أن الملك سلمان هو خادم الحرمين و أن تدافع منى هو حادث عرضي و أن الشيعة هم سبب كل بلايا الوطن العربي و أن الذين يحكمون ليبيا اليوم هم ثوار ملتزمون و أن الشيخ الغنوشى هو أيقونة الثورة التونسية و أن محمد مرسى هو فاتح فلسطين القادم و رجب أوردغان هو الفارس العثماني الذي سيمسح دموع الغلابة في الوطن العربي و أن تيار الحريري هو رافد من روافد النهضة العربية .
حين تخسر ضميرك في هذه المواجهات اليومية الدامية بين الشر و الخير ، بين الإرهاب و التسامح ، بين جهاد النكاح و جهاد الحجر و السكاكين في فلسطين ، بين الموت بيد الإرهاب و الموت بيد الجوع ، حين تخسر ضميرك في معركة من هذه المعارك بإمكانك أن تتفوه بأن عاصفة الحزم الصهيونية السعودية هي ضرورة من ضروريات الأمن القومي العربي – عفوا الصهيوني – و أن الطائرات السعودية التي تغير على شعب و حضارة اليمن هي البلسم الذي سيداوى أوجاع الثورة اليمنية الرافضة لهذه العنوسة الخليجية القابضة على رقاب دول الخليج مثل إشعاعات تشرنوبيل الفتاكة ، بإمكانك أن تكذب و أن تخاتل و أن تدعى أن الذين يقتلون الشعب اليمنى هم في الحقيقة دعاة سلام و رفاهية لهذا الشعب المغدور ، بإمكانك أن تزعم أن عاصفة الحزم هي ربيع عربي يمنى على شاكلة الربيع الليبي الذي "بتلذذه” الليبيون منذ أكثر من ثلاثة سنوات من حكم العصابات الإرهابية القطرية السعودية التونسية ، أيضا ، بإمكانك أن تدعى أن الذين يصورون مشاهد النحر الإرهابية و الذين حرقوا الطيار الأردني معاذ الكساسبة هم خيرة ما أنجب الإسلام و من سينهضون بالأمة في معركتها مع نفسها قبل معركتها مع العدو .
حين يموت الضمير ، ضميرك البائس أيها العربي التائه ، ستبكى زورا و بهتانا على كل ” مجاهد” إرهابي قاتل زرع الموت و الدمار في كل شبر من هذه الأرض العربية ، ستجاهر بما يجاهر به العملاء و المخربون و المحللون و المحرمون من أدوات التخريب الإعلامية التي تصور الزانية مجاهدة و الزاني أميرا من أمراء الجنة كأن الجنة قد أصبحت ماخورا لكل الهمجيين و السفلة و المنحطين من سلالة القرضاوى و كلاب الغنوشى و قطط الظواهري ، ستنسى طبعا مئات الآلاف ممن مزقت أجسادهم حروب الردة السعودية و المئات ممن دفنوا تحت الركام بعد أن ظنوا أن تلك الطائرات المغيرة الهادرة هي طائرات في طريقها إلى تل أبيب لتعيد القدس لأهلها المرابطين منذ مئات السنين ، ستبكى نفاقا على هذه البيوت الفلسطينية السورية العراقية التي هدمتها الجماعات الإرهابية نكالا في أصحابها الذين خيروا الموت على الرحيل إلى بلدان الغربة و التغريب ، ستدافع زيفا و بهتانا بأن الطريق إلى القدس ستمر حتما على بلاد ما بين النهرين و حقول الشام ، فهؤلاء الإرهابيين التكفيريين يعيدون نشر الإسلام تماما من حيث بدأ في إعادة غير صادقة لما حصل على هذه الأرض منذ مئات السنين .
حيث يتآكل الضمير مع الوقت ستصبح المقاومة ترفا و فرض كفاية و التطبيع واجبا مقدسا و فرض معين ، ستسأل من العدو ؟ فيكون جوابك طبعا …إيران ، سوريا ، حزب الله ، الجزائر ، المقاومة العراقية، الثورة اليمنية ، و ستسال من هو الصديق إذن ؟ ..فيكون جوابك جاهزا مختزلا …إسرائيل و من غيرها أيها السادة …. طبعا لن "يرى” ضميرك التعيس الدبابات و هي تمزق الأرض الفلسطينية لتحولها إلى” أشلاء” متنافرة و مربعات على كل الأشكال ، مربع يحكمه أبو عباس و مربع يحكمه محمد دحلان و مربع يحكمه تجار بيع الضمير في فتح و مربع للإخوان و مربع لخــــونة الإخوان و مربع لجماعة أنفاق الإخوان ، مربعات و مثلثات و أموال و تجارة و بيع و شراء ، على وقع نشيد الثورة و أناشيد الإخوان ، هكذا يموت الضمير يوميا في غزة و في رام الله ، هكذا كتب على فلسطين أن تضيع بيد أبناءها المنافقين ، هذا ما جناه النفاق السياسي الفلسطيني و سلطة الأيادي المرتعشة و اللعب على كل الحبال ، هكذا أراد الجنرال دايتون ، و هكذا ارتضت "السلطة” و هكذا تمزق النسيج المقاوم ليفسح المجال للتخوين و الخيانة و الضرب تحت الحزام .
حين ينتهي الضمير تعم الفوضى …الخلاقة …. و حين تتمزق الوحدة العربية تعم الأنانية ، لا أحد يفكر حينئذ في القواسم المشتركة و في المبادئ و في المصير العربي المشترك … حين يموت الضمير يتقاسم الجميع الكعكة كما تتقاسم الذئاب الجائعة العراق اليوم ، كما يتنازل الإخوة الأعداء الثروات الليبية المهدورة ، لا أحد يفكر في الوحدة و السلام و الوطن و الراية الوطنية ، يصبح الجميع تجار دم و تجار سلاح، الكل يجمع الأموال ، الكل يقتل ، الكل يدوس على الدين و على المقدسات و على الشريعة ، لا صوت يعلو فوق صوت شريعة الغاب و شريعة القرضاوى و شريعة القتل على الهوية ، الأموات تتكدس على قارعة الطريق ، الكلاب تنهش الجثث المتعفنة ، الريح تذهب بما تبقى من الضمائر الميتة ، ليس هذا الوطن وطني ، المذبوح كالدجاجة المقتول و الممدد في الثلاجة ، ليس هذا الوطن وطني .