عباس يسوق الكيان الإسرائيلي
سمير الحجاوي
عندما يقول محمود عباس أمام ممثلي العالم الإسلامي إن "التنسيق الأمني مع "إسرائيل” مصلحة فلسطينية” فهو بذلك ينزع أي ذريعة من أي بلد عربي أو إسلامي لمساندة الشعب الفلسطيني، فإذا كان "قائد” الشعب الفلسطيني، يرى أن التعاون الأمني والعسكري مع الاحتلال الإسرائيلي مصلحة لشعبه، فلا يجوز عندها لأي بلد عربي أو إسلامي أن يتدخل ليحتج على الممارسات الإسرائيلية، لأنه "لا يجوز أن تكون ملكيا أكثر من الملك”، ولا يصح أن تكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين، ولذلك شاعت عبارة "نقبل ما يقبله الفلسطينيون” على لسان القادة العرب، لتمرير سياساتهم وعلاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي من خلال هذا المقولة، وبالتالي توفر لهم "القيادة الفلسطينية” الحجة والتبرير، لكي يتعاونوا مع هذا الكيان المحتل.
لم يقف عباس عن حدود اعتبار هذا التنسيق الأمني "مصلحة” فلسطينية، بل ذهب أبعد من ذلك بقوله إن هذا التعاون "ليس عيباً”، وهنا يعيد تعريف مصطلح "العيب”، ويتحول التعاون الأمني ضد الشعب الفلسطيني إلى "ممارسة مقبولة” لا ينبغي رفضها أخلاقياً، وهنا قلب للمفاهيم التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني باعتبار "التعاون” مع الاحتلال "خيانة وعمالة”، وهذا يسقط بالتالي هذين المصطلحين من القاموس الفلسطيني والعربي، فلا خيانة ولا عمالة ولا عيب في التعاون والتنسيق مع المحتل الذي يسوم الفلسطينيين العذاب، ليل نهار.
إسقاط هذه المفاهيم المرتبطة "بالعدو” لأن الخيانة والعمالة لا تكون إلا لعدو، تحول الاحتلال الإسرائيلي إلى "صديق” و”جار”، لأن التعاون لا يكون إلا بين الأصدقاء والجيران وفي أقل تقدير لا يكون إلا بين من تجمع بينهم "مصالح مشتركة”، فما هذه المصلحة المشتركة التي تجمع عباس مع الاحتلال، بوصفه "صديقاً وجاراً”؟ يجيب عباس نفسه عن هذه المصلحة بـ”منع اندلاع انتفاضة جديدة” و”عدم العودة إلى العمل المسلح” وهذا ما يحول هذا التعاون إلى "تنسيق أمني مقدس” بحسب كلام عباس نفسه، الذي ترجم هذا المقدس إلى العبارة التالية وهي "أن الجانب الفلسطيني يتفهم المخاوف الإسرائيلية الداخلية في موضوع الأمن، ومستعد للتعامل معها وتلبيتها” وبالتالي فإن أي دعوات لوقف هذا التنسيق ليس أكثر من "مزايدات رخيصة” ويترجم هذا التفهم للمخاوف الإسرائيلية بعدم السماح باندلاع "انتفاضة أخرى” وعدم اللجوء إلى "الكفاح المسلح” و”إعدام” خيار العمل العسكري.
ويمكن اعتبار مقاربات عباس لعملية أسر المستوطنين الثلاثة ترجمة عملية للنظرية التي يتبناها، فقد اعتبر أن عملية "خطفهم تدمرنا”، وأن اندلاع "انتفاضة جديدة يدمرنا” دون أن يشير إلى معنى "نا” في التدمير، وهل تعود على الشعب الفلسطيني أم الاحتلال الإسرائيلي أم السلطة التي يترأسها؟ لكن القراءة المتأنية لما يقول أنه يعني تدمير "السلطة التي يقودها” وهي سلطة مرتبطة بالاحتلال، لأنه اتبعها بوصفة المستوطنين الأسرى بأنهم "فتيان” وهم "بشر” لإضفاء صفات البراءة والإنسانية عليهم دون الإشارة إلى أنهم مستوطنون مسلحون حولوا حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى جحيم، وتستمر هذه المقاربة لعباس في كشف خبيئة هذا "القائد الفلسطيني” بقوله: "نحن نبحث عنهم حتى نعيدهم إلى عائلاتهم، وسنحاسب من قام باختطافهم، وأننا ننسق مع إسرائيل من أجل الوصول إليهم”.
الملاحظ في كل كلام عباس أنه لا يوجد في رأسه إلا "إسرائيل ومخاوفها ومطالبها” وهو ما يسيطر عليه دون الاقتراب من "المخاوف الفلسطينية” ومطالب الشعب الفلسطيني، ودون التطرق إلى كون الفلسطينيين الذين يقودهم "بشر أيضاً” لهم حق الحياة والأمان والاستقرار والتحرر من الاحتلال والمستوطنين والحواجز وتحرير أبنائهم من معسكرات الاعتقال الإسرائيلية.. هؤلاء الفلسطينيون "بشر” ولكن لا يراهم محمود عباس ولا يرى معاناتهم ولا حقهم في إطلاق سراح أبنائهم من السجون والمعتقلات الصهيونية.
هذا المنطق الذي يتبناه رئيس السلطة ليس أكثر من طريقة أو أداة لتسويق الكيان الإسرائيلي "عربياً وإسلامياً”، وتثبيت أركانه ووجوده وشرعيته وإلغاء للحقوق الفلسطينية، وهذا المنطق يغيب الفلسطيني إلا بوصفه جزءا من المشهد الإسرائيلي، فالأصل هي "إسرائيل التي تتكون من دولة فيها بشر وفتيان” في مواجهة "الفلسطيني الإرهابي” الذي "يخطف الفتيان الطيبين”، وهذا ينم على لا إنسانية. تحليل منطق عباس الخطير والمهدد للوجود الفلسطيني والمفكك للحالة الفلسطينية يحتاج إلى الكثير من الوقفات، فهو ينزع كل محركات الدعم والتعاطف العربي من الشعب الفلسطيني ويتركه وحيداً في العراء.