إيران حين تخرج تركيا من المولد بلا حمص
أحمد الحباسى
فعل حزب العدالة و التنمية كل ما في وسعه ليبقى وصيا على مشروع الإسلام السياسي في المنطقة العربية بلا نتيجة ، فعلت إسرائيل خفية كل ما في وسعها لنشر "الأنموذج التركي” اللقيط فلم تفلح ، فعلت قطر كل ما في وسعها ليقف مشروع الإخوان على قدميه دون جدوى ، فعلت حركة النهضة التونسية كل ما في وسعها لتعويم المثال التركي داخل تونس و بقية البلدان العربية فكادت تموت بالاختناق في الانتخابات التشريعية الفارطة لو لم يحول زعيمها المنافق المقود 360درجة في اتجاه القبول بالأمر الواقع التونسي ، و لان مشروع حزب العدالة مبني من فراغ و يقوم على فراغ فقد بدأت حالة السقوط منذ سنتين مع اشتعال ثورة ميدان تقسيم مرورا بالتفجيرات و الاغتيالات وصولا إلى الهزيمة الانتخابية الأخيرة التي قلصت كثيرا من وجود هذا الحزب في مفاصل الدولة ، لذلك لم نعد نسمع عن السيد اوردغان و لا عن السيد أوغلو و لا السيد عبد الله قول .
كانت باكستان حليفة مميزة للولايات المتحدة الأمريكية عبر كثير من مراحل التاريخ الحديث ، تم استعمال باكستان لخدمة الأغراض و المصالح الأمريكية مرات عدة لكن من عيوب الإدارة الأمريكية أنها لا تملك صديقا أو حبيب و لا تعترف في المطلق إلا بإسرائيل ، رغم ذلك تمسكت باكستان بهذه ” الصداقة” المسمومة دائما في مواجهة المخاطر الهندية حول إقليم كاشمير و بقيت تدور في الفلك الأمريكي دون بوصلة خاصة بعدما كانت السبب الرئيسي في طرد السوفيت من أفغانستان ، هذا ما حصل أيضا مع نظام الرئيس محمد حسنى مبارك و قبلا مع نظام الشاه الإيراني محمد رضا بهلوى ، و الآن هذا ما يقع مع تركيا أحد الطامعين الكبار في مقعد قيادة العالم العربي بعد سقوط ” الكبير” مبارك و هرم الوصيف السعودي و عدم قدرة الصغير القطري في التعامل مع المتغيرات ، الآن بدأ انهيار الحلم التركي بقيادة العالم العربي و فرض الأنموذج التركي المتعلق بالإسلام السياسي كحل و ليس كمشكلة ، انهيار تلوح ملامحه المرعبة للطبقة السياسية التركية لتزيد من أوجاع رجب أوردغان البدنية بحيث بات حلم الصلاة في المسجد الأموي مجرد حلم معيز كما يقال .
على خلاف الضجيج التركي تعمل إيران بصمت كبير و بفاعلية سياسية كبيرة ، فالمواجهة الإيرانية الغربية تتطلب قدرا هائلا من ضبط النفس و الهدوء و سرعة البديهة في المناورات السياسية ، هذه ” صناعة ” إيرانية بامتياز يعرفها الجميع و هو الرصيد الذي أحسنت السلطة السياسية استغلاله سواء لمواجهة الضغوط الأمريكية الهائلة أو للتعامل مع العقوبات الاقتصادية الظالمة أو لفضح السياسة الصهيونية الأمريكية ذات المكاييل المختلفة ، فعلى صعيد العلاقة مع سوريا أصرت إيران على عدم التفريط في الورقة السورية رغم كل الضغوط و الإغراءات الأمريكية الخليجية ، بل شكلت الزيارات الإيرانية السورية المتبادلة أعلى دراجاتها منذ بداية المؤامرة الصهيونية الخليجية على نظام الرئيس بشار الأسد ، و هنا ، و على خلاف ما حصل في المحور المعادي من ارتباك و تشنج و تردد و مد و جزر فلم يسجل عن القيادات الإيرانية أي موقف سياسي متناقض مع الرؤية الإستراتيجية للعلاقة الثابتة بين البلدين و هو انجاز مكن القيادة السورية من استغلاله و ربح نقاط معنوية كثيرة في هذه المواجهة مع العدو السعودي بالذات.
تشكل الورقة العراقية بالنسبة لإيران ورقة ضغط مكشوفة في علاقتها بالغرب ، فإيران هي شريك في هزيمة أمريكا في العراق و في رحيل قواتها من بلاد ما بين النهرين، أمريكا تعلم أن إيران لاعب قوى في العراق و هي تملك أوراق ضغط كثيرة من شأنها التأثير على الوجود العسكري و السياسي الأمريكي في المنطقة الخليجية ،و رغم حملات التضليل السعودية المصرية الأردنية فان الوجود الإيراني في اليمن لا يحتاج إلى قواعد عسكرية أو تدخل عسكري إيراني لان شعوب المنطقة قد بدأت تفهم مع الوقت أن الدول الخليجية في طريق الزوال و أن فلسطين لن تحرر بالأدعية و بقصائد الشعر و باتت هناك قناعات وجدانية بحتمية الوحدة بين الفكر السني المقاوم و الفكر الشيعي الرافض للوجود الأمريكي الصهيوني في المنطقة العربية ، هذا مهم و هذا ما تسعى عاصفة الحزم السعودية لإسقاطه دون فاعلية أو جدوى كما تشير إليه كل التحاليل السياسية و العسكرية و آخرها التعليقات الساخرة للكاتب المصري الكبير محمد حسنين هيكل و إبراهيم عيسى و عبد الباري عطوان .
لم ينجح حزب العدالة و التنمية في عملية ” ترشيح” السيد رجب أوردغان كخليفة للمسلمين ، فعيوب الرجل كثيرة و من بينها كراهيته للمقاومة و عشقه الصبياني للعدو الصهيوني ، و حين توجه الرجل بعدائه العلني و المباشر إلى قلعة الشام المقاومة سقطت أسهمه القليلة في بورصة الزعامة العربية لان الرئيس بشار الأسد يمثل زعيم المقاومة العربية بامتياز و دخول الصبي التركي في هذه المجازفة الغير محسوبة أفقدته من البداية كل أمل في عبور قناة السويس ، يضاف إلى ذلك رسوخ العلاقة الإستراتيجية بين تركيا و إسرائيل و علاقة الشراكة بين أنقرة و الحلف الأطلسي الذي يمثل الأفكار التوسعية الاستعمارية الغربية المصوبة منذ عهود نحو الثروات و المصالح العربية ، و بعملية جمع و طرح سياسية يتبين أن الغلام التركي قد دخل في معركة خاسرة ضد الحليفين السوري و الإيراني في نفس الوقت و هو أمر يفوق "القدرات” التركية و يجعله يخسر كل النقاط المسروقة في مؤتمر دافوس الشهير.
لقد قدمت تركيا خدمات كثيرة لحلفاء المؤامرة على سوريا ، لكن تركيا تعاني اليوم من تجاهل أمريكي صهيوني خليجي تام ، و كل ما نشاهده في الأخبار هو الحديث عن سقوط حزب العدالة و التنمية و تصاعد الغضب الشعبي و حمى الاغتيالات التي تقوم بها أجهزة النظام ضد المعارضين كما فعل حزب النهضة في تونس يضاف إلى ذلك عدد من التفجيرات الإرهابية المتتالية التي تؤكد أن نار الإرهاب التركي قد بدأت تلتهم البيت التركي تماما كما يحصل في السعودية ، و من الواضح اليوم أن إمضاء الاتفاق النووي بين إيران و الغرب و رفع العقوبات الاقتصادية قد شكل صفعة مدوية للنظام التركي خاصة أن الولايات المتحدة لم تعد في حاجة إلى الدور التركي "الفارغ” للخروج من المأزق السوري بل هي في حاجة للدور الإيراني الفاعل لصناعة قرار دولي بإيقاف الحرب الإرهابية على سوريا و ترك مسألة تقرير مصير الرئيس لإرادة الشعب السوري دون سواه خلافا لكل "التمنيات” التركية السعودية ، و اليوم لم يعد هناك حديث عن منطقة آمنة داخل سوريا للإرهابيين و لا عن رحيل الرئيس و لا عن انتخابات تحت إشراف دولي ، كل ما يطرح اليوم على إيران هو خروج سياسي "آمن ” للرئيس باراك أوباما و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا الجماعات الإرهابية السعودية ، كل ما يطرح اليوم في مفاوضات الكرملين هو بقاء الأسد و بقاء النظام رغم أنف النظام التركي الصهيوني المهزوم .