الغرب يعترف: الأسد هو جزء من أيِّ حل
عقيل الشيخ حسين
بعد سنوات من الإصرار على تنحية الرئيس الأسد، عادت الحكومات الغربية لتنظر إليه بوصفه جزءا من الحل. تغير هام في المواقف ناشئ عن فشل جميع الوسائل المستخدمة في محاولة تركيع سوريا، مثلما هو ناشئ عن صمود الجيش السوري وحلفائه الميدانيين وعن الورقة العسكرية التي ألقاها الرئيس بوتين على طاولة النزاع السوري.
قلما يتمكن محلل أو صاحب قرار من التنبؤ بحدث مستقبلي، أو من تشخيص وضع ما بالدقة الكافية. لكن ذلك لا ينطبق بحال على الساسة الفرنسيين من الحزب الاشتراكي، وخصوصاً على وزير الخارجية لوران فابيوس. فقد حقق هذا الأخير اختراقة تاريخية في هذا المجال عندما اكتشف أن الرئيس السوري لا يمكنه أن يحكم سوريا إلى الأبد.
بإرادة الشعب السوري
والأكيد أن الرئيس السوري هو أول من يقر ويعترف بصدق نبوءة فابيوس هذه لأنه يعلم أن الحكم أو العيش إلى الأبد ليس ممكناً لبني البشر في هذا العالم. كما يعلم أن استمرار حكمه لسوريا لا يمكن أن يكون إلا نزولاً عند إرادة الشعب السوري.
وعلى كل حال، كان فابيوس أكثر واقعية واتزاناً عندما ضم صوته إلى أصوات غيره من المسؤولين الغربيين الذين أقروا، بعد سنوات من الإصرار على تنحية الأسد بوصفه المسؤول الأول عن المشكلة، بأنه جزء أساس من الحل. دون أن يغير اشتراطهم اقتصار مشاركته في الحل على المرحلة الانتقالية على أنها شيء في جوهر المشكلة. لأن المرحلة الانتقالية قد تطول، لا إلى الأبد بالطبع، ولكن بما يكفي لبلوغ الأسد سن التقاعد. ولأنها فيما لو لم تطل، لن تتوج بغير إعادة انتخاب الأسد، على ما تشهد عليه استطلاعات الرأي التي تجريها مؤسسات غربية تؤكد أنه يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من السوريين، مقيمين ولاجئين.
والأكيد أن هذا التأييد الذي يتمتع به الرئيس الأسد من مواطني بلده هو نتيجة لسياسات اعتمدتها سوريا، منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، على مستوى التمسك بالاعتبارات الوطنية والقومية التحررية: الوحدة العربية، قضية فلسطين، عدم إغراق البلد في الديون أو فتحه أمام أشكال الاستغلال التي تمارسها قوى الهيمنة، العمل الجدي من أجل الارتقاء الدائم في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، كما في مجانية الصحة والتعليم.
والأكيد أيضاً أن هذه الاعتبارات هي نفسها ما يفسر الحقد على سوريا من قبل قوى الهيمنة القريبة والبعيدة. وهذا الحقد تجسد من خلال الحرب التي تستعر منذ 54 شهراً وتشارك فيها بأشكال أو بأخرى عشرات الدول الغربية والإقليمية ومئات التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المدعومة من قبل تلك الدول.
ومع هذا لم تتمكن قوى العدوان من إسقاط سوريا. وعندما قرر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في العام الماضي، قصف سوريا على أمل أن يؤدي ذلك إلى إسقاط النظام، تحركت السفن الحربية الروسية والصينية في شرق البحر المتوسط بالشكل الذي أقنع أوباما بالتراجع عن قراره.
مؤامرة بوجه جديد
ويبدو أن قراراً أوروبياً مماثلاً قد اتخذ، بدفع أو بعلم من واشنطن، بالتدخل المباشر، بهدف إقامة منطقة عازلة، أو منطقة حظر طيران في شمال سوريا وغير بعيد عن محافظة اللاذقية، وبالتالي عن القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس.
ولا يخفى أن نجاح مثل هذا المسعى من شأنه أن يقصر أمد الحرب بمقدار ما يشكل تهديداً وجودياً خطيراً "للنظام السوري" وللوجود العسكري الروسي في منطقة شرق المتوسط. وما يعنيه ذلك من تهديدات مماثلة لحكم الرئيس بوتين في روسيا نفسها.
من هنا، فإن الإعلان عن الإجراءات العسكرية التي اتخذتها روسيا والتي قد تصل إلى حد إرسال جنود روس، في حال طلبت الحكومة السورية ذلك، يأتي كتأكيد جديد للتحالف الاستراتيجي بين كل من روسيا ومحور المقاومة في المنطقة. وفي إطار هذا التحالف أعلن، في بغداد، عن توقيع اتفاق تعاون استخباراتي لمحاربة داعش يضم سوريا وروسيا وإيران والعراق.
والواضح أن هذا التطور هو ما يفسر التراجع الفوري عن مشروع المنطقة العازلة والتنافس بين الغربيين على اعتبار الرئيس الأسد جزءًا من الحل.
لكن ذلك لا يعني أن الغربيين سيتوقفون عن العمل من أجل زعزعة سوريا، أقله عن طريق الجماعات الإرهابية والتكفيرية. ومن هنا تأتي أهمية التشديد الروسي على محاربة هذه التنظيمات، بمشاركة الجيش العربي السوري، بعدما تبين أن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد "داعش" لا يفعل غير تقديم الدعم لذلك التنظيم الإرهابي بدلاً من محاربتها له. والأكيد بعد الشروع في تشكيل حلف يضم كلا من روسيا وسوريا والعراق وإيران بهدف محاربة داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، سيتمكن سريعاً من تحقيق مهمته، لا لشيء إلا لجديته في تحقيق مهمته خلافاً للغربيين الذي كثيراً ما يحدث لهم أن يرسلوا فرقهم العسكرية الخاصة إلى ميادين القتال في سوريا والعراق ولكن بعد أن يرتدي أفرادها ملابس داعش ويرفعوا أعلامها.
والأكيد أيضاً أن اغتناء محور المقاومة بحليف كروسيا يفتح آفاقاً واسعة أمام إلحاق الهزيمة بمشاريع الهيمنة في سوريا وسائر المنطقة والعالم.