استراتيجية السعودية لتغيير سياساتها تجاه جماعة اخوان المسلمين
معالم فشل الحرب السعودية في اليمن أمام الجيش اليمني وحركة أنصارالله، باتت تنكشف يوما بعد يوم أكثر من اي وقت مضى. حيث ادى هذا الفشل الذريع الذي منيت به القوات السعودية حتى اليوم، رغم ارتكابها حجما كبيرا من المجازر المروعة ضد المدنيين في اليمن، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على عدوانها الواسع ضد هذه الدولة، ادى هذا الفشل الى مزيدا من التخبط في السياسة السعودية، تجاه اصدقاء اليوم واعداء الأمس. حيث نرى في هذه الايام مساعي غير مسبوقة من قبل الرياض للاقتراب من جماعة الاخوان المسلمين في مصر على حساب العلاقة السعودية مع حكومة الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي. فما سبب هذا التخبط في السياسة السعودية تجاه جماعة الاخوان المسلمين التي كان للرياض الدور البارز في انهيار حكومتها التي اسستها في مصر بعد ثورة عام 2011 المصرية، ولماذا تحاول الرياض اضعاف حكومة عبدالفتاح السيسي الذي دعمته كثيرا في السابق لتمكينه من مواجهة الاخوان المسلمين؟
لا شك أن صعود الاخوان المسلمين بعد اندلاع الثورات العربية في عام 2011، ووصولهم الى سدة الحكم في مصر وتونس، شكل هاجسا مخيفا بالنسبة للسعودية والدول التي تدور في فلكها مثل الاردن والامارات العربية المتحدة والكويت، لذا سرعان ما دخلت السعودية على خط مواجهة هذه الجماعة وبذلت كل ما في وسعها لافشال المشروع الإخواني في المنطقة في تلك الايام. حيث ادت المؤامرة التي حاكتها السعودية ضد المشروع الأخواني في مصر الى انهيار حكومتهم برئاسة محمد مرسي بعد مضي عاما واحدا فقط على عمرها، لا اكثر. وبعد ما افشلت السعودية مساعي الاخوان المسلمين في مصر للبقاء في الحكم، والقضاء عليهم من خلال إزاحة محمد مرسي من قبل الجيش، دعمت السعودية عبدالفتاح السيسي باعتباره قائداً عاماً للجيش المصري للتخلص من جماعة الاخوان نهائياً، دون اي رجعة محتملة للحكم. وفي هذه الاثناء تم اعلان حركة الاخوان المسلمين، حركة ارهابية في مصر والسعودية وبعض الدول العربية مثل الإمارات المتحدة العربية، فضلا عن ملاحقة قيادات هذه الجماعة في مصر والقاء القبض على الآلاف منهم، بمباركة سعودية.
لكن ثمة قضايا وقعت بعد الاحداث المريرة التي واجهتها حركة الاخوان المسلمين على يد النظام السعودي والجيش المصري، جعلت السعودية تفكر مرة اخري بتغيير او تعديل سياستها تجاه جماعة الاخوان المسلمين مرة اخرى، حتى إن كان ذلك بشكل تكتيكي ومؤقت. من هذه الاحداث يمكن الإشارة الى صمود الحكومة السورية و الجيش العربي السوري بوجه المؤامرة الكونية ضد سوريا، حيث علمت السعودية أن حساباتها التي راهنت من خلالها على أن حكومة الاسد ستنهار في القريب العاجل، لم تكن صحيحة، ولهذا حاولت السعودية تسخير التيار الاخواني المعارض في سوريا للاستفادة منه لمواجهة النظام السوري. لذا عملت السعودية على الاقتراب من المحور "القطري ـ التركي” الذي كان ولايزال يعمل على دعم الاخوان في المنطقة، لدعم الاخوان في سوريا، وذلك لاسقاط حكومة الاسد. لكن هذا التعاون الثلاثي من قبل الرياض وانقرة والدوحة في مواجهة النظام السوري، مني بالفشل الذريع ولم يتمكن الاخوان المسلمين و قواتهم العسكرية المعروفة بالجيش الحر، من اسقاط النظام السوري بعد حرب استمرت ما يقارب الخمسة اعوام.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة الى الحرب السعودية ضد اليمن، على أنه المستنقع الخطير الذي باتت السعودية تغرق فيه يوما بعد يوم، دون أن يكون هنالك من ينقذها من هذه الورطة، خاصة بعد أن رفضت مصر باعتبارها كبري الدول العربية، ارسال قواتها البرية لدعم الجيش السعودي الفاشل على الارض في اليمن، لذا لجأت السعودية في هذه الأيام الى مساعي مشبوهة وذلك للاقتراب من جماعة الاخوان المسلمين على حساب علاقاتها مع نظام السيسي. حيث تعتقد السعودية أن اقترابها من الاخوان في مصر، سيعزز مكانة الاخوان في اليمن، لمواجهة الجيش اليمني وحركة أنصارالله، بعد ان وضح فشل الجيش السعودي، في مواجهة الجيش اليمني وحركة أنصارالله على الارض، وذلك بعد فشل المعارك الجوية من قبل الائتلاف السعودي ضد اليمن بعد مضي أكثر من خمسة أشهر على هذه العمليات. لكن من الصعب جداً أن تنطوي مؤامرات السعودية هذه المرة على جماعة الاخوان المسلمين، ولهذا من المتوقع جداً أن هذه الجماعة سوف لم تتعاطي مع محاولات السعودية المشبوهة و ستفشل السعودية في الحصول على دعم الاخوان في اليمن من أجل انقاذ جيشها في معارك اليمن.
بالاضافة الى القضايا التي اشرنا اليها، فان دعم الاخوان من قبل السعودية سيجلب سخط وعداء حكومة عبدالفتاح السيسي تجاه السعودية، فضلا عن الغضب الذي سيتولد لدي العديد من الدول العربية مثل الإمارات المتحدة العربية والكويت تجاه السعودية، في حال قررت الرياض حقا دعم مشروع الاخوان مجددا. ويمكن القول ان السعودية تعاني حاليا من قلة الناصر ومن الفشل العسكري في عملياتها ضد اليمن، وفي حال عملت على مشروع دعم الاخوان، فان ذلك سيكون عاملا آخر لمزيدا من الأزمات بالنسبة للرياض بسبب احتمال فقدانها لحلفائها التقليديين من الدول العربية الذين يعادون مشروع الاخوان. واشارت بعض التقارير أن السعودية ومن أجل تعزيز علاقاتها من جديد مع حركة الاخوان المسلمين للاستفادة من هذه الحركة، بأمل كسب الحرب في اليمن، استقبلت مؤخراً بعض الشخصيات الاخوانية مثل راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية وهمام سعيد، القيادي في حركة الاخوان الاردنية وعبدالمجيد الزبداني أحد قيادات حزب الإصلاح، الفرع اليمني لحركة الاخوان، فضلا عن لقاء الملك سلمان بخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس قبل أشهر، باعتبارها فرعا لجماعة الاخوان المسلمين في فلسطين.
وفي النهاية لابد من القول أنه على جماعة الاخوان المسلمين أن لا تقف الى جانب السعودية في اليمن بعد أن تلطخت ايديها بدماء الآلاف من الابرياء في هذا البلد، لان ذلك سيفقد هذه الجماعة مكانتها في العالم الإسلامي، حيث تعودنا ومنذ الاعوام الاولي لانطلاقة جماعة الاخوان المسلمين على يد الشهيد الشيخ حسن البنا، أن نري مواقف مشرّفة من قبل هذه الحركة تجاه الشعوب المظلومة مثل الشعب الفلسطيني والشعوب الاخرى (ما عدى موقفها السيء تجاه سوريا زمن مرسي)، لذا على جماعة الاخوان المسلمين اليوم أن تكون على قدر كبير من الوعي، حتي لا تقع مرة اخرى في فخ المؤامرات السعودية الجديدة، بعد كل الذي جرى لها في مصر على يد آل سعود.
الوقت