kayhan.ir

رمز الخبر: 26266
تأريخ النشر : 2015September19 - 20:53

الحراك الشعبي..الأسباب والغايات

د. طراد حمادة

تحدث التحركات الشعبيّة نتيجة تراكم الظلم وفساد الحكم. تلك هي العلة السببية للحراك الشعبي اللبناني ضدّ فساد قسم كبير من أهل السلطة. وذلك يعني أن الأسباب الموجبة للحراك مشروعة وتستحق الدعم والتأييد.

وإذا كانت الأسباب مرتبطة بالغاية، لأنه على ما يقول أرسطو أن النجار يصنع السرير لغاية الاستلقاء، فإن الأسباب المشروعة والتي تستحق الدعم والتأييد للحراك الشعبي ضدّ فساد السلطة الحاكمة، يحمل على النظر بإيجاب إلى غايات هذا الحراك، ولا يصح معه غير ذلك، لأن حمل غاية الحراك على المحمل الحسن هو أقل الواجب في مثل هذه الحالات.

المشكلة التي تواجه الحراك الشعبي في لبنان، خاصة ما تعلق منه بالمسائل ذات الطابع الحياتي من سعر الخبز إلى الوقود، إلى شؤون البطالة، إلى رفع النفايات، أمورٌ تصطدم بحقيقة مفادها أن الجميع مسؤول عن صناعة المشكلة وفي حالات عدة يتهرب عن البحث الجدي لإيجاد حلول لها.

يشبه المشهد اللبناني مسرحية تقدم صورة عالمين منفصلين، عالم فوقي يعيش فيه أهل السلطة، وعالم سفلي يعيش فيه عامة الناس من المواطنين الرازحين تحت وطأة ما يخلفه الفساد في أحوال المعاش.

بدنا نحاسب

سكان العالم الفوقي من أهل السلطة، مشغولون بحوار خاص، يقوم على تبادل المنافع من شيوع المفاسد ويقوم هذا الحوار على صراع صوري، تستخدم فيه كل أساليب المكر والخداع ولكن لا تفوته ضرورة البقاء في السلطة، وأن كل فئة من المتصارعين تسند اختها ليصبح وجود الخصم ضرورة بوجود الحليف، ووجود الإثنين ضرورة لوجود الذات، لأنه لولا ما يحصل من صور الصراع ما كانت مائدة منافع السلطة تستمر مفروشة للطامعين...

في الطبقة الدنيا، حيث عامة الناس، في أحوال معاشهم، يحصل شعور من نوع آخر، يقوم على الضروريات والحاجيات لا ألاعيب الصراعات لتحقيق المكاسب، وأشكال الخداع لتأمين المصالح والتنافس على الفساد والإفساد لاستمرار السلطان رغم إرادة العباد ومصالح البلاد.

عليه، يقول من هم في العالم الفوقي، ماذا يحصل في عالم الناس ألا يكتفي هؤلاء من العامة الذين لا يبصرون أبعد من أنوفهم ومصالحهم الصغيرة، إننا نتطلع للبعيد ونؤمن لهم حقوقهم التي يحاول آخرون سلبها منهم.

هذه الفواصل بين عالمين، تجعل من أهل الطبقة الحاكمة، جماعة مشغولة بشؤونها، لا تجد في هذا العالم غيرها من وجود، كل ما سواها وهم وظلال لا حقوق لهم ولا مواقف أو نطق ومنطق. الحقيقة كلها في صف أهل السلطة، وكل ما ينطق بغيرها إنما بطلاناً ينطق.

ولذلك يتساءلون عن الغايات، ومن وراء من، ولا يدركون أن أقرب الناس إليهم وربما الأهل والجيران والإخوان وأبناء الطائفة، هم من يسيرون في الشوارع ويصرخون "طلعت ريحتكم" "وحلوا عنا" وغيرها من الكلام المفهوم وقعه بالعامية أكثر منه بالفصحى.

هذه الفواصل تضع حجاباً أمام العقل، فلا تعود الطبقة الحاكمة قادرة على الحوار، ولا على إيجاد الحلول للمشكلات ذات الصلة. وعليه ما الذي يعنيه فشل الحكومة في إيجاد حل لمشكلة النفايات رغم أنها وجدت حلاً لعودتها للاجتماع. يعني ذلك أن الحوار المفيد مرتبط بمصالح استمرار هيئات النظام الضرورية لاستمرار قدرة النهب وإشاعة الفساد، فيما الحلول لهذه المشكلات، تقفل الباب والمزراب عن صناديق النهابين والمنتفعين من الفتات.

وعلّة العلل في المنتفعين من الفتات، لأن هؤلاء يتحولون إلى قوة البطش بيد النهابين، سواء كانوا قوة مادية، أو معنوية، سياسية أو اقتصادية، عسكرية أو إعلامية. يوزع الفاسدون فتات المنافع، ويصنعون قوّة تدافع عنهم، حين يلزم أن يكونوا معزولين لا حديث لهم بين الناس.

الحراك الشعبي أسبابه موجبة ومشروعة وغايته تصنع على ضوء مشروعية الأسباب.