أوضاع الحكومة ورائحة الفساد
د. طراد حمادة
من الصفات الإيجابيّة للشعوب قدرتها على تقديم التضحيات في الأزمنة الصعبة. تلك حقيقة تاريخية صريحة البيان. والشعب اللبناني العزيز، واحد من الشعوب المشهود لها بتقديم التضحيات والثبات في الأزمنة الصعبة، حتى يصدق القول، أن هذا الشعب الصغير، استطاع تجاوز المحن التي عصفت به ومن حوله بقدرة عالية.
في هذه الصورة المشعة يتساوى اللبنانيون على غيرهم في القدرة على الصمود والثبات، مع الشعب الفلسطيني والشعب السوري وكذلك اليمني وغيره من الأشقاء الأقربين لكن الصورة المفاضة لأوضاع الشعب اللبناني أنه قادر على الصبر في تحمل أحوال الفساد المستشري في الحكومات المتعاقبة، والتكيف مع طبقة حاكمة تتداول السلطة فيما بينها على قاعدة اقتسام المغانم والاستفادة من صبر الشعب على الفساد المستدام، على وزن التنمية المستدامة. فساد يمنع التنمية، ويحجب العدالة، ويغرق البلاد في الفوضى، ويسرق قوت الناس، ويعمم البطالة، ويوزع الغنائم، ولا من حسيب ولا رقيب...
في هذا المشهد السوريالي اللامعقول، تضىء نجمة المقاومة، تعبيراً عن روح الأمة وجوهرها الإنساني، إشارة نورانية قادرة على تنبيه الأمة، وإشاعة الأمل، والإيمان الراسخ بالخلاص الموعود، ولا قنوط من رحمة الله.
في العرفان الإسلامي، يبحث العارف عن الجواهر في الخرابات، مطمورة تحت ركام يعرف معرفة اليقين أن الظالمين قد خربوا المكان، وحولوه إلى دمار وجعلوا الخرابات علامة فساد الظاهر، فيما الجواهر المنيرة ترقد سليمة في الباطن، الذي ينشده العارف في سعيه على طريق الوصول...
الحكومة
لا أدري لماذا قادتني صورة النفايات في ساحات لبنان وشوارع مدنه وقراه إلى البحث عن الجوهر المضيء الذي نحتاجه هذه الأيام.
كيف يمكن للناظر في أحوال الحكومة الراهنة أن يكظم غيظه، وهو يعرف أن المحاصصة المعروفة الأسماء والمقامات، تملأ حياة الناس نفايات وسموم وتحول معاشهم إلى خراب وتضع مستقبلهم السياسي على شفير جرف هاوٍ.
هل يمكن عمل حكومة تمام سلام والحاجة إليها واضحة الحضور، دون الالتفات إلى أحوال بلدٍ ضرب حتى العظام، لا السلطة ساعية إلى تجاوز أطماعها ولا الناس قادرة على تغيير حكامها.
إذا أردنا أن نحدد معاني المأزق، الذي لا خروج منه، نجد في الأوضاع الراهنة مثال المأزق، دوران في حلقة مفرغة، من الفساد المستشري الذي ينتج فساداً بدوره، ويزيد ثراء الحكام ويمعن في إفقار الناس.
لو أغمضنا أعيننا على الواقع لندعه يمشي. البلد ماشي والشغل ماشي، تقول أغنية أعلام الحريري الأب، ونفتح أعيننا بعد حين من الصبر الثقيل، نجد أن البلد واقف على هضبة من الزبالة. يقابلها، أكوام من كدس الأموال، وعمارات شاهقة، للشركات المتعددة الجنسيات، تعلو هنا وهناك ولا تترك للبنانيين أرضاً يملكونها ولا بيوتاً يسكنوها.
في أعتى حكومات العالم وفي زمن الإمبراطوريات كان السادة يحافظون على حياة من في خدمتهم ليبقوا في خدمتهم لكن في الزمن اللبناني الصعب الطماعون لا يحافظون على حياة اللبنانيين، لأن زمن العولمة يسمح لهم بتكديس الأموال والعيش في عالم آخر، يكونون فيه داخل أوطانهم وخارجها على السواء.
ليس الإرهاب التكفيري وحده عابر للحدود، قبله بكثير كان المال الحرام عابر للحدود، الذين يأكلون الباطل، يعيشون في عالم الدنيا الفانية، لا وطن لهم إلاّ أمكنة الفساد والشهوات.
الفساد السياسي متوفر والفساد المالي متحقق، والنفايات مكدسة تعبيراً عن أخلاق مافيا الخراب. لكن الشيطان قادر أن يفسد روح إنسان واحد، لكنه عاجز عن إفساد روح الإنسان..
وروح الإنسان في جوهر المقاومة والمقاومة قادرة على الدفاع عن الروح الإنساني في كفاحها ضد الفساد وقد هزمت كل الإرهاب المحيط به من كل جانب. ليس الأمر بالصعب كما يذهب كثيرون، رغم أنه ليس بالسهولة التي يبني عليها آخرون، لكن أحدس في البحث عن الجوهر أن آن الأوان لكنس الدمار من الخرابات المحيطة بهذا البلد إحاطتها بغيره من أمكنة العالم.
إن الموقف من الفساد أمر أصبح ضرورة حيوية كما هو التنفس ضرورة طبيعية لحياة الإنسان.
ولأن الفساد رغم عناصر إفساده المستشري والمستشرس، فإنه مكروه من الناس، كل الناس، ويصعب أن نجد من يقف علناً ليدافع عن الفساد.
ومن هذه الجهة تأتي قوّة تيارات حراك المجتمع المدني، لأنها تخاطب الفساد بلغة تفضحه لا تخشاه، وتسمي أشياءه بأسمائها فيخشاها على قوته وهي قادرة إذا قدمت لها الحماية السياسية من القوى الوطنية الحقة في البلاد، أن تقوم بدور فضح الفساد والإشارة إليه باليد واللسان والخطاب المباشر.
ولا يمكنه مواجهة هذا النوع من الافتضاح لأنه مكروه على ما ذكرت من الناس.
إن افتضاح الفساد يجعله مكشوفاً أمام الانتفاضة المدنية ويجعله مكشوفاً، لا يستره غطاء سياسي من ناحية أخرى وفي هذا المحل تصيبه الضربة القاضية وللحديث صلة.