المقاومة والجيش والشعب في سوريا يواجهون الصهيونية والتكفير
سركيس ابو زيد
شهدت صالونات أصحاب القرار مؤخراً حركة سياسية ناشطة تصب في خانة الملف السوري الذي تتزايد عليه الرهانات، وتفتح الباب أمام مزيد من التوقعات السياسية المحتملة على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وسط تضارب للمعلومات في انخراط عسكري بري - جوي روسي بالتعاون مع إيران.
من جهته، نفى الرئيس الروسي بوتين مشاركة بلاده في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا، معلنا أن هذا الأمر "سابق لآوانه ". ومن جهة أخرى تناقلت عدة مصادر سياسية معطيات عن اتخاذ قرار استراتيجي روسي - إيراني بتفعيل الدعم العسكري للجيش السوري. حيث تم البدء بـ"إعادة بناء الجيش السوري"، عبر عملية تسليح واسعة. وهذا ما أكده مراقبون يشيرون الى ان موسكو سلمت دمشق 6 مقاتلات متطورة من طراز ميج 31، هبطت في الـ 18 من آب/أغسطس الماضي في قاعدة "المزة" التابعة لسلاح الجو السوري، كما أرسلت طائرات نقل ثقيلة من طراز أنتونوف آن 124، تحمل 1000 صاروخ من طراز كورنت 9إم 133.
في السياق نفسه، قال مصدر دبلوماسي غربي متابع "إن طليعة القوة للقطار الجوي الروسي وصلت الأراضي السورية بالفعل، وتمركزت في مطار يخضع لسيطرة الرئيس الاسد". وأضاف أيضاً أن "سوريا ستشهد في الأسابيع المقبلة وصول الآلاف من العسكريين الروس (مستشارين وعناصر لوجستية وفنيين)، سيقتصر دورهم على تمهيد الأرض لوصول القوات القتالية، وبناء قاعدة عسكرية لها. والأغلب ستكون في مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية، كما ستصل تشكيلات من الدفاع الجوي وطيارين، سيشغلون بصورة مباشرة طائرات حربية ومروحيات، يتوقع وصولها قريباً من روسيا.
هذه المشاركة المباشرة لروسيا - طهران، يراها محللون مراقبون لأحداث المنطقة، أنها ما كانت لتحصل لولا تطور الرأي العام الدولي باتجاه ضرورة محاربة الإرهاب وتداعيات الاتفاق النووي الدولي مع ايران.
هذا التحرك العسكري تزامن مع تحركات سياسية عربية وخليجية باتجاه موسكو وبالعكس. ولكن هل سيأتي هذا التحرك بنتيجة إيجابية على الطرفين خاصةً وعلى المنطقة عموماً؟
موسكو ترغب بتوجهها هذا إلى وجود شراكة مع العالم العربي. لذلك تسعى الى بناء علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مع العرب وبالأخص مع الدول الخليجية.
أما العرب المستائون أصلاً من الاتفاق الأميركي - الايراني بخصوص الملف النووي، وما يترتب عليه من رفع العقوبات عن طهران، ربما كانت نواياهم المبيتة تختلف قليلاً حيث وجدوا في روسيا ضالتهم، فسعوا إلى ترميم علاقاتهم بها بغية الوصول إلى مصادر قوة جديدة، لتكون ردة فعل وفي الوقت نفسه رسالة إلى واشنطن لتوجهها نحو طهران. كما ان بعض العرب يراهن واهما على تعزيز العلاقات مع موسكو كمحاولة لفك التحالف الروسي السوري.
لكن على العرب أن يدركوا أن قاعدة عدو عدوي صديقي في السياسة قد لا تأتي بنتائجها كما يأملون، وأن روسيا لا يمكنها تلبية كل طموحاتهم، كي لا يصابوا بخيبة أمل مماثلة لخيبتهم من الولايات المتحدة. وأنه من الممكن ملاقاة رغبة موسكو في التعاون التجاري والاقتصادي والنفطي والغازي، بما يسمح لها بملاقاتهم في ميادين سياسية كثيرة.
فعلى الرغم من انفتاح موسكو على المعارضة السورية وفتح الخطوط مع كل الأطراف، للوصول إلى حل ينهي الحرب الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات، ظل موقفها ثابتاً في عدم التخلي عن دعم الرئيس الأسد. وهي تركز فقط على محاربة الإرهاب في إقامة جبهة لمحاربة "داعش" تضم السعودية وتركيا والأردن، بالإضافة الى القوات السورية.
وهذا ما أكده بوتين بأن "هناك تفهماً مشتركاً حول ضرورة أن تجري مكافحة الإرهاب في الدول المضطربة بموازاة العملية السياسية في سوريا". وعندما اعتبر أيضاً أن "الرئيس السوري بشار الأسد يوافق على ذلك أيضاً، وهو مستعد لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإقامة اتصالات مع ما يطلق عليه "المعارضة البناءة" وإشراك ممثليها في إدارة البلاد".
وهو بذلك أيضاً يلتقي مع التوجه الايراني عبر مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية أمير عبد اللهيان أثناء لقائه الرئيس الأسد في دمشق: "نحن نعتبر أن أي مشروع ناجح لحل الازمة السورية، لا بد ان يأخذ بالاعتبار الدور المركزي للشعب السوري في تقرير مستقبله ومصيره. وسوف تكون مسألة مكافحة الارهاب مسألة اساسية وهامة. ولا بد أن يكون دور الحكومة السياسيةودور الأسد دوراً أساسياً ومحورياً في الآلية السياسية المحتملة لهذا الحل".
الازمة السورية
هذا التغيير في قواعد اللعبة والتصريحات ومعاودة اصطفاف القوى اللاعبة في الساحة السورية والاقليمية، دفع اسرائيل إلى الدخول في مزيد من النقاش حول سبل التعامل مع الملف السوري حال تعرضها لقصف صاروخي. الأمر الذي أفرز ثلاثة مواقف متباينة:
- ضرورة الردّ الفوري، دعما لموقف رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون.
- الوضع على الحدود السورية، لا يستحق الرد الإسرائيلي حتى الآن.
- وموقف ثالث يقول أن إسرائيل منشغلة جداً في التهديد الإيراني، لدرجة أنها تتجاهل القوة الجهاديةالارهابية الصاعدة في أرجاء سوريا على شكل حركات متطرفة، كـ"داعش" أو كتلك المنبثقة من "القاعدة ". ويدّعي أصحاب هذا الموقف أنه عندما يتحقق هذا التهديد، لن تكون إسرائيل جاهزة كما ينبغي لمواجهته، وهو أمر يتطلب الاستعداد الدائم والرد المناسب.
هذا الانقسام والتخبط الاسرائيلي في المواقف يأتي متزامناً مع تصعيد الحملة الإسرائيلية ضد الاتفاق مع إيران، ما جعل البعض يربط بين الملفين. فـ"إسرائيل" تخشى أن تشعر إيران بأنها باتت أقوى في أعقاب الاتفاق النووي، وهذا سينعكس إيجاباً في تعميق التدخل في سوريا لمصلحة الرئيس الأسد، وبذل جهود أكبر لمد حزب الله بسلاح حديث ودفع عمليات في هضبة الجولان" مما يشكل مصدر قلق لـ "تل أبيب". لذا، دعا جنرال الاحتياط يعقوب عميدرور الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة، متخذي القرار "لضرورة الاستعداد إلى سيناريوهات غير متوقعة والاستعداد لاحتمال مواجهة التأثيرات السلبية للاتفاق في مكان غير متوقع مثل سوريا". ووفق رأيه:"على إسرائيل الحذر جيداً من تحولها إلى جزء من الصراع في سوريا."
رغم كل المخاطر المحتملة، إلا أن تل ابيب تفضل أن تراقب سير المعارك في سوريا عن قرب، وعدم التسرع وضبط النفس بانتظار الوقت المناسب الذي تراه للتدخل فعلياً للرد، تاركةً خصومها حزب الله والجيش السوري في قتال مستمر مع "داعش" والمنظمات الارهابية التكفيرية ينهكون بعضهم بعضاً، بينما "إسرائيل " تبقى الأقوى في منطقة الشرق الأوسط الذاهبة دولها إلى خطر الفوضى والتقسيم .
مقابل هذه التحديات هناك فرصة ترسم معالمها المقاومة والجيش والشعب لتغيير المعادلة لمصلحة المقاومة والوحدة معا.