الكاوبوي الأميركي ينكفىء أمام القيصر الروسي
أمين أبوراشد
آخر ردود الفعل على الأمر الواقع الذي فرضه الإنتصار النووي الإيراني على خصوم إيران وأعدائها، جاء على لسان رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتانياهو يوم الأحد الماضي: "أن الكيان الإسرائيلي لا يُمانع بأن يكون لإيران الحق في الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الخوف يبقى أن تتوسَّع إيران في تطوير بنيتها الإنتاجية على مستوى التخصيب بما يسمح لها مستقبلاً بالتصنيع النووي لأغراض غير سلمية”.
والموقف الإسرائيلي الذي أذعن للواقع الجديد يأتي مشابهاً للموقف السعودي، بحيث بعد فشل الطرفين بكل محاولات العرقلة لمفاوضات "الخمسة زائد واحد” مع إيران، كان لا بدَّ لكليهما بأن يظهر وكأنه حريص على الأمن القومي الإقليمي وليس الخوف من إيران ذات الوزن الدولي والإقليمي المقاوِم التي فرضت نفسها بقوَّتها الذاتية وصمود شعبها رغم الحصار، وكانت لها الغَلَبَة بالحقّ في مواجهة أميركا وأدواتها على مستوى الشرق، ودخلت في إتفاقية الدرع الصاروخي مع روسيا مؤخراً، وانطلقت معها في تشكيل جبهة دولية لمكافحة الإرهاب، والتي تدخل زيارة وزير الخارجية الإيرانية الدكتور محمد جواد ظريف حالياً الى المغرب العربي ضمن إطار تفعيلها.
وكان كافياً أن يُتابع المراقبون، المواقف الواضحة لروسيا والصين الى جانب إيران على طاولة التفاوض، لكي تكتمل لديهم خريطة المواقع الجديدة للقوى الدولية والإقليمية التي آلت إليها مسألة أمن المنطقة، بعد أن دقَّت جحافل التكفير كل الأبواب ودكَّت حرمات الحدود، وصولاً الى عقر الدار في أوروبا، حتى اقتنع الأوروبيون أنفسهم ومعهم العرب أن إدارة ملف مكافحة الإرهاب ليس سوى سلاح أميركي للمحاربة بالإرهابيين ورسم حدود الإسرائيليات وفق الخرائط الأميركية، وكان الإعتراف الأميركي الضمني بأن روسيا ومعها إيران وحركات المقاومة لن تحتمل "الأفلام الأميركية الطويلة” والتي كان آخرها الإتفاق مع تركيا أردوغان على ضرب داعش أو ضرب النظام السوري وزرع المزيد من الفوضى في العراق تحت ذريعة الحرب على داعش.
وأمام تساؤلات الصحف ووسائل الإعلام العربية عن سبب تزامن زيارة ثلاثة من القادة العرب موسكو بناء على دعوة روسية لحضور معرض "ماكس الدولي للطيران والفضاء” ، فإن هوية هؤلاء القادة: الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، تكشف أن التزامن متعمَّد، والدعوة مجرَّد بطاقة تجمع الزائرين على الإعتراف بأهمية تقوية العلاقات العربية مع روسيا في ضوء الدور الروسي "المحوري” في إيجاد حل للأزمة السورية، وكذلك للاستفادة من زخم هذه العلاقات في الحرب على الإرهاب، في ما يُشبه الخيبة من الرهان على أميركا، وكانت صحيفة "روز اليوسف” المصرية الأجرأ في التعبير حين عَنوَنَت: "العرب يواجهون الإرهاب من موسكو”، وقالت أن القادة الثلاثة هُم في روسيا "لبحث أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط” عبر تعاون أمني ومخابراتي لمواجهة تمدد داعش وتحجيم خطره، والإستفادة من الخبرة الروسية الطويلة في مواجهة إرهاب الجماعات المسلحة.
وفي الوقت الذي أشارت فيه صحيفة "اليوم السابع” في عنوانها الرئيسي إلى ما أسمته "ملامح شرق أوسط جديد في قمة السيسي- بوتين- بن زايد، وذكرت في افتتاحيتها أن زيارة السيسي ومحادثاته في موسكو هي خطوة "على طريق استعادة التحالف بين مصر والدب الروسي، نقلت الصحف الأردنية عن الملك عبدالله الثاني أن دور روسيا في الأزمة السورية هو محوريّ، فيما أكدت صحيفة الخليج الإماراتية أن "محمد بن زايد يبحث مع بوتين في موسكو محاربة التنظيمات الإرهابية، رغم استمرار وجود تباين بين الموقفين المصري و”الخليجي السعودي” في ما يتعلق بالملف السوري، بحيث ترى السعودية ومن خلفها دول خليجية أخرى، أن أي حل في سوريا يبدأ بإبعاد الرئيس بشار الأسد عن المشهد السياسي، ترى مصر بالإتفاق مع روسيا أن مواجهة خطر الإرهاب وخاصة داعش هو الأولوية، وترى أن للأسد دوراً في تلك المواجهة، بل تعتبر أن أي غياب مفاجئ للأسد عن المشهد السياسي يهدد بانهيار سوريا وتكرار مشهد التشرذم الليبي.
وجاءت منذ أيام الزيارة / الحدث الى موسكو لـ "مايكل راتني”، المبعوث الأمريكي في سوريا، والتي تناولت الوضع الأمني والسياسي في هذا البلد، وبحث آليات إنهاء التوتر القائم فيه منذ أكثر من أربع سنوات. وأكدت السفارة الأمريكية في موسكو، أن راتني التقى بميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، إلى جانب أعضاء في مجلس الأمن الروسي، وصرَّحت السفارة الأميركية في موسكو، أن هذه الاجتماعات تندرج في إطار جهود الدبلوماسية الأمريكية الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية على أساس مبادئ بيان جنيف، وتُعَدُّ هذه هي المرة الأولى التي تتحرك فيها الدبلوماسية الأمريكية بمثل هذا الشكل المكثّف من أجل حلحلة الأوضاع في سوريا، والتي يبدو أن تطوراتها الأخيرة أصبحت تُقلق واشنطن وحتَّمت عليها القيام بمساعٍ لدى موسكو كون الأخيرة تُمسِك بزمام آليات حلّ هذه الأزمة.
إن الولايات المتحدة التي حاولت مرارا تجاهل كل دورٍ لموسكو وإيران في الأزمة السورية، اقتنعت بعد أربع سنوات، أن انفرادها بتسوية هذه الأزمة غير ممكن إن لم يكن مستحيلاً، بالنظر إلى الأطراف المتحكِّمة بالأرض السورية، وتداعيات الإنفلات الإرهابي على أمن المنطقة وخطورة استمراره بهذه الكيفية، وانتشار تنظيم "داعش” وتمدده السريع وفشل التحالف الأمريكي للقضاء عليه سواء بالرهان على تدريب شراذم المعارضات أو عبر الإتفاق مع تركيا على محاربته من الجو، وتبقى نقطة القوة الروسية الإيرانية، وهي بإستمرار الرهان على الرئيس الأسد وحلفائه كجزءٍ من الحل، وكعنصرٍ مساعد في مكافحة الإرهاب، مما يُلغي كل مشروعية دولية للطروحات الأميركية السعودية بإسقاط الرجُل على الطريقة الليبية، لأن شظايا الإرهاب لن تمزِّق سوريا وحدها، بل ستطال الجوار الإقليمي بكامله وصولاً الى أوروبا، وما على أميركا والسعودية سوى محاولة الحدّ من خسائر الهزيمة، وإيجاد وجوه جديدة ضمن المعارضات السورية للدخول في حوارٍ وشراكة مع النظام..