إسقاط دمشق وتفتيت المنطقة عبر البوابة العراقية
سمير الفزاع
تكثيف المشهد :
قبل أقل من اسبوع من هجوم داعش على محافظة نينوى ، يسافر محافظها "اثيل النجيفي” إلى تركيا ، ويلتقي هناك بعدد من المسؤلين الكبار على رأسهم مدير المخابرات التركية وذراع أردوغان القذرة "حقان فيدان” ، وهناك يتم الترتيب لإسقاط محافظة نينوى ومدينة الموصل – تحديداً – دون إطلاق رصاصة واحدة . يوم الإثنين 9/6/2014 تبدأ داعش هجومها على محافظ نينوى ، وعاصمتها الموصل ، ويصل الى المدينة قائد القوات البرية الفريق علي غيدان ومعاون قائد العمليات المشتركة الفريق الركن عبود كنبر … ويلحق بهم مسؤل الشرطة الإتحادية ليستطلع الأوضاع ويجري الحوار التالي : قائد القوات البرية ومعاون قائد العمليات المشتركة : المدينة سقطت ، داعش تشن هجوما بأعداد ضخمة ومن عدة محاور . يرد مسؤل الشرطة الإتحادية : أنا قادم من بغداد ، ولم أرى شيء من هذا على طول الطريق ، هذا غير صحيح !.
سقطت المدينة بيد داعش دون أي مقاومة حقيقية إلا في نقاط محدودة جداً أبى ضباطها وعناصرها الهرب ، وتلاشت قوة قوامها ثلاثة فرق (35 ألف عسكري تقريباً)، فرقتان للجيش وثالثة للشرطة والقوى الأمنية خلال سويعات . ذابت هذه القوة الكبيرة أمام أقل من ثلاثة ألآف إرهابي من داعش وعدة فصائل أخرى ، وكان للتعميم الذي أصدره محافظ نينوى "اثيل النجيفي” أثر كارثي على كافة قطاعات الدولة في تلك المحافظة ، بل كان كلمة السرّ وراء تسليم المدينة بالكامل ، والبدء بواحدة من أخطر المؤمرات على العراق والتي ستفضي حتماً إلى تجزئته وتفتيته إن نجحت . حيث قال النجيفي في هذا التعميم حرفيّاً ( نظرا للظروف العصيبة التي تمر بها المحافظة وقناعتنا بعدم قدرة الجيش على مواجهة المجاهدين ، نوجه بالالتزام بالتعليمات التالية في كافة الدوائر والمؤسسات التابعة للمحافظة :
* إتلاف وحرق كافة العقود وجميع الوثائق التي تحمل اسم وتوقيع المحافظ .* على جميع الموظفين والعاملين عدم مواجهة المجاهدين والهرب بأي وسيلة حفاظا على الأرواح والممتلكات .
* تقليل الحراسات الليلية حفاظا على أرواح المنتسبين. ويعاقب بأشد العقوبات المخالف ويتم طرده من وظيفته أو إحالته إلى لجان تحقيق مختصة بأمن المحافظة .
كلّ ذلك كان يجري في سياق حملة كبرى من الخداع والتضليل والشائعات الهدامة من قبل قنوات وفضائيات معروفة ، لعبة دوراً كبيراً في سقوط بغداد وإحتلالها في العام 2003 والعزيزية في طرابلس الغرب 2011 وعلى رأسها قناتي العربية والجزيرة .
الدوافع :
1_ تأجيج المشاعر المذهبية والطائفية والجهوية … في المنطقة ، من أجل إستخدامها وصرفها حيث أمكن في مقاربة الملفات الإقليمية والدولية .
2_ دفع اقليم كردستان للإنفصال ، وإلحاقه كليّاً بمنفذه "الطبيعي” الجديد تركيا ، وهذا المسعى يتشارك به بعض من كبار قادة الأكراد ، ومدينة كركوك ستكون الثمن الموعود ، بالإضافة إلى الجماعات الإرهابية وتركيا وأمريكا .
3_ التطبيق الفعلي والنهائي لتقسيم العراق بين مكونات إثنية وقومية وطائفية … بحيث تسيطر هذه الجماعات الإرهابية إلى محافظات (الأنبار ، نينوى ، صلاح الدين ، ديالى) تحت غطاء دعاوى مجرمة وتدميريّة ، مثل ، "الثورة السنيّة” بوجه الحكم الصفوي ، والجيش الطائفي ، والإنتفاض على الحقوق المسلوبة … حيث الأغلبية السنية ، والجغرافيا المتصلة مع سوريا والأردن ومملكة آل سعود ، وحقول النفط ومصفاة بيجي … .
4_ الحصول على مصادر تمويل ذاتية ضخمة لتنظيم داعش وبقية الفصائل التابعة له عبر سيطرتها على هذه المساحات الواسعة والغنية بالنفط والموارد ، وتوفير العنصر البشري لتقوية صفوفها ، بعد أن بدأت تعاني من شحّ في تدفق الإرهابيين الى صفوفها . يجب الإشارة هنا إلى كميات الأسلحة الهائلة التي حصلت عليها داعش من خلال سيطرتها على المحافظة بالتواطؤ مع النجيفي ، والأموال التي تقدر بنحو 500 مليار دينار في بنك المدينة !.
5_ وقف إنهيار الجماعات المسلحة في سوريا والعراق وخصوصاً في دمشق وحمص وحلب ودرعا … وفي أنبار العراق ، والتشويش ما أمكن على نتائج الإنتخابات النيابية في العراق ، والمعادلات التي أفرزتها ، والتعمية على نتائج الإنتخابات الرئاسية التاريخية في سوريا ، وتداعياتها المذهلة على معنويات أعداء سوريا ، ومخططاتهم .
6_ خلط الأوراق التفاوضية في غير مكان ، من المداولات حول جنيف السوري ، إلى الملف النووي الإيراني ، إلى تشكيل الحكومة العراقية ، وإختيار الرئيس اللبناني … .
7_ خلق جيب عازل في العراق الشقيق مكون من محافظات ( الأنبار ، نينوى ، صلاح الدين ، ديالى ) يقطع الشرايين القائمة والممكنة بين أطراف حلف المقاومة الممتد من طهران إلى بيروت ، ويكفي هنا أن نلقي نظرة سريعة على الخريطة لنتأكد كيف تشطر هذه المحافظات جمهورية العراق ، وتحاصر ايران خلف الحدود بعيداً عن حلفائها .
الخلاصة :
من المؤسف أن يتعامل معنا أعدائنا "كمنظومة واحدة” في عدوانيتهم ، فهم يضربون بغداد لتتألم دمشق ، ويحاصرون غزة لتنزف مارون الراس ، ويشاغلون طهران حتى يستفردوا بالكل . ما معنى أن يقول أوباما : لن نتدخل في العراق ، واذا أردنا التدخل سنحتاج لأيام عدة ، فالأمر يحتاج إلى الخطط والإستعدادات ؟ والمعلومات المؤكدة تنفي أي طلب عراقي لتدخل أمريكي ، ألا يعني ذلك أن أمام داعش وحلفائها عدة أيام لقضم المزيد من الأرض ، وخلق الوقائع … قبل أي تحرك دولي وإقليمي جدي وفاعل ؛ من قبل أمريكا وحلفائها على الأقل ، وهم من يقسم العراق فعلياً ؟ . ومن المؤسف أيضاً أن نلدغ من جحر أردوغان المرة تلو الأخرى ، ففي كل مرة يزور طهران أو يزوره مسؤل ايراني في تركيا ، يقوم "بمغامرة” جديدة أكثر إيلاماً ووقاحة . بعد أن قام بزيارته الأخيرة إلى طهران ، فتح حدوده ليضرب إرهابييه مدينة كسب في شمال سوريا ، واليوم ، بعد زيارة الشيخ روحاني له ، ها هو يخطف الموصل عبر ذات الجماعات ! ويوقف تدفق المياه في دجلة والفرات لتعطش سوريا والعراق ! . هناك بيئة حاضنة للإرهاب في نينوى والرمادي وصلاح الدين … هذا صحيح ، والسؤال الكبير ، لماذا ؟ جزء كبر من الجواب مرتبط بتمسك الإخوة العراقيين بمنظومة قوانين ولوائح وتشريعات سنّها "بريمر” والأخضر الإبراهيمي بعد إحتلال العراق من جهة ، والفشل الكبير للنخب السياسية والثقافية والدينية … الحاكمة في العراق بخلق "عقد إجتماعي جديد” لجمهورية العراق يؤسس لوطن مستقر وآمن ومتتطور من جهة ثانية ، والتدخلات الخارجية التي ترى في إستقرار العراق ، وتعافية خطر داهم يهدد مكانتها ومصالحها ، وعلى رأس القائمة يقف الكيان الصهيوني ومملكة آل سعود وقطر وتركيا وأمريكا … وغيرها من الأسباب التي يطول تعدادها . نحتاج إلى اليوم ، وأكثر من أي وقت مضى إلى أن نضرب بقوة على الطاولة ، وأن نفعل أكثر بكثير من أن ننفعل . صحيح أن ما يجري في العراق نصر "مرحلي” لأعدائنا ، ولكنه فرصة ذهبية لنا في ذات الوقت ، كي نغير وجه المنطقة . وحتى نحقق هذا يجب أن "نكّسر” الحدود التي مزقها أعدائنا ملايين المرات ليقاتلوننا ، ولكن لنذهب إليهم هذه المرة قبل أن يأتوا إلينا ، ولنجعل من تمدد داعش الجغرافي ميدان ومنطقة تقتيل و”ذبح” لها على سبيل المثال ، وأن نحرص على أن تكون العصا الغليظة ظاهرة للعيان بالقدر الذي نظهر فيه النوايا الطيبة … . نحن الأقوى في كلّ المقاييس ، ونحن الأقدر في كلّ الموازين ، نحتاج إلى مبادرة تاريخية كبرى تبدأ الفعل ، ربما كانت كلمات الرئيس بشار حافظ الأسد لجريدة الأخبار اللبنانية ، آخر وأقوى المؤشرات على وجودها عندما قال ( إن سوريا بعد الإنتخابات لن تكون كما قبلها ، ونحن نسير إلى إنتصار مؤكد ، ولن نرضى بعد اليوم بأقول دون أفعال ) .