kayhan.ir

رمز الخبر: 215190
تأريخ النشر : 2025October28 - 21:21

الغزو الاستثماري لاستمالة الشعوب

 

 ان ما يعرف عن الاستراتيجية الاميركية تجاه منطقة الشرق الاوسط بانها ثابتة ومتغيرة وفقاً لما تقتضيه المصلحة الوطنية. فترامب يوصف انه رجل صفقات يتبع آلية العرض والطلب في التعامل مع دول المنطقة دون دفع اي مقابل بل هم من يدفع مقابل الحماية، وهذا نابع من عقلية رجل الاعمال الذي يتعامل بمنطق المكاسب والخسائر. ولما كانت الدول تتنافى اقتصادياً لتحقيق الازدهار الاقتصادي والوصول لاعلى مستوياته وتسخير الادوات الاقتصادية لتحقيق الاهداف الجيوسياسية، لاجل اقناع شعوبها نجاعة ادارتها والا ستتفاقم الاعتراضات الشعبية لدوافع معيشية. من هنا سعت اميركا لاغراء الشعوب عن طريق احزابها او المنظمات الاجتماعية بضرورة الاستثمار الاجنبي. فمثلاً كان نجاح التجربة السنغافورية وغيرها من التجارب الاسيوية دافعاً للعديد من الدول للبحث عن الاستثمار الاجنبي. فاميركا قد هيمنت على معظم المؤسسات ذات الصلة بقواعد نظام التجارة والاستثمار العالمي، لدرجة كونها الدولة الوحيدة صاحبة حق النقض في كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. اضافة لذلك تتمتع اميركا بقدرة فيما يتعلق بفرض العقوبات المالية لكون الدولار الاميركي العملة الرئيسية للتجارة الدولية والاحتياطيات النقدية لدول العالم. حيث يؤدي منع واشنطن لمؤسسة ما من الوصول الى النظام المالي الاميركي الى احجام البنوك والمؤسسات الاخرى عن التعامل معها مما يؤدي الى عزلها فعلياً عن النظام المالي الدولي كما حدث عام 2005 مع بنك دلتا آسيا الذي انهار عقاباً له على ارتباطه بكوريا الشمالية وتسهيله لمعاملاتها. ويمكن اطلاق الحرب الهجينة على الحرب الاقتصادية، لانها تدخل في الآلية الصلبة كالحرب والتدخل العسكري بعكس الاليات الناعمة المستفيدة من الدبلوماسية والمفاوضات والمساعدات. فبدل الانفاق على الحروب كما هو حال اميركا خلال 18 عاماً اذ انفقت 7 تريليون دولار، اضحت تتبع سياسة الهيمنة على القرارات السياسية لدول المنطقة اما بذريعة مكافحة الارهاب بتحميل حلفائها في الشرق الاوسط مزيداً من العبء فيما لم يتم القضاء على تهديد الارهاب نهائياً. كما واعتبرت منظمة اوبك تهديداً لاقتصاديات السوق الحر وهو ما نستشفه من تصريح ترامب لصحيفة واشنطن بوست ديسمبر 2018: "البترول يفقد اهميته شيئاً فشيئاً كسبب ليقائنا في المنطقة ... وقد نصل قجأة الى نقطة لا نحتاج فيها الى البقاء في هذه المنطقة". وكذلك نجد تحمس اميركا لمشروع الممر الاقتصادي الكبير الذي يربط آسيا باوروبا عبر الشرق الاوسط وهي ليست جزءاً منه ولا تستفيد فائدة واضحة، وانما التنافس الصيني الاميركي سبب في طرح المشروع الاميركي لربط الهند بالشرق الاوسط باوروبا، فيما "اسرائيل" هي مركزه ومحوره الذي يربط آسيا باوروبا، اذ سيمرر خدمات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والغاز والنفط ويذيب الفوارق الثقافية والتاريخية والحضارية والدينية، فتدمج "اسرائيل" بالمنطقة بادوات اقتصادية، رداً على المشروع الصيني "الحزام والطريق".

ويصب في هذا المجال انشاء فرع لشركة "كونتروب للتقنيات" في الامارات الاحد الماضي ويمثل تعزيزاً للعلاقات الاقتصادية والتكنولوجية وتعد خطوة اولى من نوعها في مجال التعاون بين "اسرائيل" والامارات. وفي نفس الوقت وجه رئيس الوزراء العراقي "محمد شياع السوداني" المؤسسات المالية بالتعاون مع المستثمرين الاجانب.

هذه المشاريع والدراسات تفعل اليوم كمصداق بارز في قطاع غزة، فحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" ان اميركا و"اسرائيل" تدرسان خطة لتقسيم قطاع غزة الى منطقتين منفصلتين، بحيث تُمنح الاولى مشاريع اعادة الاعمار والاستثمارات وتخضع لسيطرة جيش الاحتلال في حين تترك المنطقة الثانية تحت حكم حركة حماس في عزلة اقتصادية لتصبح محرومة من الدخول في مشاريع التنمية. وان "جاريد كوشنر" صهر ترامب هو من يقود هذه الجهود حيث تقوم الفكرةعلى ان يحول الجزء الخاضع لجيش الاحتلال الى نموذج يستقطب اليه الدعم الدولي والاستثمارات ليكون بمثابة واجهة تنموية. واذا ما نجحت هذه المبادرة فان الفجوة بين القطاعين ستتسع وستصبح واقعاً مفروضاً، لاسيما وان التقديرات تؤكد ان ما يقارب من 90% من المرافق الاساسية في القطاع قد تضررت او تهدمت وان تكلفة اعادة الاعمار تصل الى 70 مليار دولار,

وهكذا يحدث الغزو عن طريق التجارة الدولية والتنمية الصناعية والاستثمار الاجنبي المفرط وتقديم المساعدات الدولية للبلاد النامية، اذ تتبع الدول الاستكبارية سياساتها للغزو باسم تحسين ظروف المعيشة ونشر الرعاية الصحية والتعليم. وبالتدريج يتم تغيير سمات الثقافة المحلية واعتماد لغة اجنبية وحتى آيديولوجية اخرى تعارض افكار وايديولوجيات المجتمع الاصلية.