kayhan.ir

رمز الخبر: 211083
تأريخ النشر : 2025August11 - 19:49

التفاوض من دون حرب أو خلال الحرب؟

 

ناصر قنديل

 يجري تسويق قرار الحكومة اللبنانية بنزع سلاح المقاومة بصفته البديل السلمي لخيار حربي سوف ينفذه الاحتلال، أو الجار السوري بحلته الجديدة، بطلب أميركي، ما لم يقم لبنان بنزع السلاح بنفسه، ذلك أن المدافعين عن قرار الحكومة لم يعُد بين أيديهم أي حجة للإقناع بفرضية ان القرار يمهد لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وفرض الانسحاب الإسرائيلى من أراضيه في ضوء ما يجري مع الحكم في سورية، من إذلال وما تتعرض له سورية من اعتداءات واحتلال أراضيها، رغم ترك السلاح مباحاً أمام الضربات الإسرائيلية حتى تم تدميره، وصولاً الى أن العاصمة نفسها لم تنج من الاستهداف رغم الاهتمام الأميركي والتركي والسعودي بحماية النظام الجديد في سورية بما لا يمكن حصوله للبنان.

الترويج لفرضية الحرب إسرائيلية جنوباً وسورية شمالاً واحتمال أن تكون أهلية في الوسط، ينطلق لفرض مناقشة دعوات القبول بالقرار الحكومي بصفته أهون الشرور، حتى ولو كان الشك كبيراً بأن يؤدي ذلك لوقف الاعتداءات وتحقيق الانسحاب، بحيث يصبح العيش في وضع شبيه بوضع سورية والتأقلم مع نسبة من الضربات الإسرائيلية والتوغلات البرية مقبولاً مقارنة بخطر شن حرب تدميرية كبرى، ربما يتخللها اجتياح منطقة جنوب الليطاني واحتلالها بصورة دائمة، هذا إضافة لنظريّة تلزيم لبنان وسلاح المقاومة للحكم الجديد في سورية، وقيام هذا الحكم بتعويض معنوياته المهدورة في وجه الاحتلال عبر حرب يشنها على منطقة البقاع لنزع السلاح وربما البقاء فيها.

عملياً يدرك الأميركي بصفته صاحب ورقة توماس باراك، الأب الروحي لقرار الحكومة، وعراب نظرية تلزيم لبنان لسورية، وناقل التهديدات الإسرائيلية بالحرب، وصاحب مقولة أن أميركا لا تستطيع إعطاء أي ضمانة بالتزام “إسرائيل”، أن نزع السلاح أمر وجودي بالنسبة لحزب الله وعبره لطائفة كاملة تمثل ثلث اللبنانيين، بما يشبه طلب نزع سلاح المقاومة في غزة بالنسبة لقوى المقاومة وسكان غزة، وأنه في غزة لم تنجح بتحقيق ذلك، حرب ممتدّة لعشرين شهراً قدّمت خلالها غزة 10% من أبنائها بين شهيد وجريح، ودمرت فيها كل غزة تقريباً، وبلغ فيها التجويع مراحل غاب عن الحروب منذ حصار لينينغراد في الحرب العالمية الثانية، على يد جيوش هتلر. وها هي الحرب تستمر وربما تبلغ مراحل أشد قسوة، ولعل الأرجح أن تفضل غزة ومقاومتها الاستشهاد الجماعي على التسليم بالتخلي عن السلاح، فهل يمكن توهم تحقيق ذلك في لبنان بمجرد التهديد والتلويح بالحرب؟

خلال ما قبل وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024، كان الأميركي الذي أدار المفاوضات، وهو يعلم أنه بالرغم من حجم الخسائر التي لحقت بالمقاومة، قيادة وبنية وبيئة وسلاحاً، فإن المقاومة لم تقبل بأي من الشروط الإسرائيلية وخاضت أشرس معارك الصمود والمواجهة في الجبهة الأمامية، ولم يتم وقف إطلاق النار حتى تخلى الإسرائيلي عن شروطه وقبل باعتماد القرار 1701 أساساً لوقف إطلاق النار، حيث ترابط عضوي بين انسحاب الاحتلال ووقف انتهاكه للأجواء والأراضي والمياه اللبنانية، وانسحابه الى الحدود الدولية بما في ذلك في مزارع شبعا كشرط لفتح ملف السلاح ومستقبله، وسقف ما يمكن الحصول عليه من المقاومة هو انسحابها من جنوب الليطاني، ولذلك كان سقف ما استطاع الأميركي فعله عندما نجحت المقاومة بتحقيق توازن عسكري حقيقي في الميدان بصد الهجوم البرّي لستين يوماً وفرض حزام ناري على العمق الإسرائيلي، هو تقديم روزنامة انسحاب المقاومة من جنوب الليطاني وتأخير وقف الاحتلال اعتداءاته وتحقيق الانسحاب لستين يوماً، بالرغم من استقواء الأميركي بكون جبهة الإسناد التي بدأ حزب الله الحرب بها تمت من خارج الإجماع اللبناني الذي كان يظلل الدور الدفاعي لسلاح حزب الله.

في كل الحروب يجري التفاوض تحت النار، حتى عندما لا تكون المطالب وجودية، وعندما يجري التفاوض بعد الحرب فهذا يعني أن الحرب فشلت، ومن يستطيع شن حرب ثانية لا يفاوض قبلها، ولا يقدّم طلباته إلا بعد أن يبدأ بتحقيق الإنجازات في الحرب، وما دام الحديث عن تهديد بحروب، من الجنوب والشمال وأهليّة في الوسط، فإن الأميركي سيد هذه الحروب كلها، لو كانت تقديراته تقول بإمكانية شنها ربحها، لما دفع الحكومة إلى إصدار قرارها وتحمل مخاطر الفشل، بل كان ذهب الى حروبه وطلب من الحكومة في قلبها توقيت قرارها بما يتناسب مع فرص تطبيقه فوراً، وفي الحروب عندما لا تنال المطلب تحت النار فإن حربك تكون قد فشلت، لذلك يستمرّ الاحتلال بحرب غزة، ويستمر الرئيس الروسي بحرب أوكرانيا، ولذلك اوقف الأميركي حربه مع اليمن دون أن ينال شيئاً ومثل ذلك مع إيران، ونصف ذلك مع لبنان.