kayhan.ir

رمز الخبر: 211082
تأريخ النشر : 2025August11 - 19:49

… إنّ العهد كان مسؤولا

 

د. يوسف إبراهيم شاهين

فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون الموقّر،

تحية صادقة من القلب وبعد،

في وسط زلزال شرق أوسطي تصدّعت فيه تحالفات وسقطت أنظمة، تقلّدْتَ أعظم الأوسمة وحمَلْتَ أكبر المسؤوليات من خلال انتخابك رئيساً للبلاد، أول رئيس بعد المئوية الأولى لقيام دولة لبنان الكبير.

لقد أوصلتنا إلى ساعة الحقيقة في خطاب القسم من خلال طرح التغيير في الأداء السياسي في سبيل حفظ الأمن والحدود، واستبشرنا بذلك خيراً. وضعتنا في مرحلة جديدة من تاريخ لبنان بشخصك الكريم كخادم أول في الحفاظ على الميثاق ووثيقة الوفاق الوطني والالتزام بتطبيقها بما يخدم المصلحة الوطنية العليا ما ألقى في نفوسنا الطمأنينة وأشعرنا بالسعادة.

تعهّدْتَ أن تمارس دورك كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس للمجلس الأعلى للدفاع بحيث تعمل من خلالهما على تأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح، دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبّق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الإعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية يحمي من خلالها الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور، فما الجدوى من القرار القاضي بتكليف الجيش بوضع خطة لسحب سلاح المقاومة، والإحتلال ما زال قائماً والاعتداءات مستمرة؟ أليس الأجدر تكليف الجيش اللبناني إعداد خطة للاستفادة من هذا السلاح بمواجهة العدو؟ وأين مسؤولية الدولة في حماية البلد والشعب والحدود والأمن والاستقرار والاقتصاد والثروات، فهل هذا تخلّ عن السيادة وعن حماية الشعب، وهل يمثّل ذلك انقلاباً على إعلان وقف إطلاق النار؟ فأيّ سلطة تنزع عناصر قوة بلدها لصالح العدو، وتعطيه ما لم يأخذه في الحرب؟

تعهّدْتَ أن تدعو إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية ـ وكرّرتَها “الدولة اللبنانية” ـ من إزالة الإحتلال الإسرائيلي وردّ عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية، فكيف نهدي العدو ما يطمح ويرغب ويحلم؟!

المشكلة يا فخامة الرئيس ليست بالسلاح، المشكلة بالاحتلال، ومبدأ حصرية السلاح متفق عليه من الجميع ولكن في ظل الاحتلال كل الدساتير والمواثيق الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي وغيرها تكفل حق الدولة والشعب بمقاومة الاحتلال بكافة الطرق الممكنة والأساليب المتاحة.

تعهّدْتَ أن تعيد إعمار ما هدمه العدوان الإسرائيلي في الجنوب والبقاع والضاحية وجميع أنحاء لبنان بشفافية وبإيمان أنّ الشهداء هم روح عزيمتكم وأنّ الأسرى هم أمانة في أعناقكم وأن لا تفرّط بسيادة واستقلال لبنان، وبأنّ وحدتنا الوطنية هي ضمانة مناعتنا وأنّ تنوّعنا هو غنى تجربتنا وبأنه آن إلأوان لنراهن على لبنان في استثمارنا لعلاقاتنا الخارجية، لا نراهن على الخارج في الاستقواء على بعضنا البعض، فما هو تفسير تبنّي الحكومة اللبنانية الورقة الأميركية التي لا تصبّ إلاً في مصلحة العدو؟ هل هذه حكومة لبنان، كلّ لبنان، أم حكومة لجزء من الوطن أو لقسم من اللبنانيين؟! وأين هي الدعوة إلى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة؟ أين هو الإعمار؟ وما هو مصير الأسرى؟ أم أنّ الزبائنية السياسية والإعلامية قد بلغت ذروتها! أين الضغط على العدو للإنسحاب من خلال تفعيل الدبلوماسية وغيرها؟

تعهّدْتَ أن تقيم أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من أنّ لبنان عربي الانتماء والهوية وأن تمنع أيّ تآمر على أنظمتها وسيادتها. أين نحن من الإرادة الوطنية الجامعة الصادقة التي تضع مصلحة الوطن فوق كلّ شيء؟ وكيف تترجم العلاقات مع الأشقاء العرب؟

تعهّدْتَ الانفتاح على الشرق والغرب وإقامة التحالفات وتفعيل علاقة لبنان الخارجية مع الدول الصديقة والمجتمع الدولي وذلك بناء على قاعدة الاحترام المتبادل بما يحفظ سيادة لبنان وحرية قراره، فما بالنا لا نتلمّس ذلك بل بالعكس، تدخّل سافر وإملاءات الأجنبي وحتى بعض العربي، وإقرار يشبه إقرار العبيد لأسيادهم! والذي يمهّد إلى ورقة التطبيع في الأيام المقبلة.

الشرق يناديكم ويمدّ لكم يد العون ويعرض عليكم المساعدات دون مقابل، وينتظر الجواب.

توجّهت إلى رفاق السلاح بالبقاء معهم، منهم ولهم وتفخر بالانتماء لمدرستهم الوطنية مدرسة الشرف والتضحية والوفاء، هذه المدرسة التي تخرّجتَ منها وبلغتَ المراتب العليا فيها، فكنتَ على رأسها القائد الفذ القويم، صاحب الرأي السليم، هذه المؤسسة الجامعة التي يُبنى على أكتافها الوطن وتحمي وحدته، لم تخذل الشعب يوماً، مكانها في القلب والعقل والوجدان، فلا تسمح أيها الرئيس، وأنت أيها العماد رودولف هيكل المعروف بحكمتك ونزاهتك، بزج الجيش في ظرف كهذا ووضعه في مواجهة المقاومة، فكلاكما يعلم تركيبة الجيش وعقيدته، وأدعوكما إلى استثمار السلاح كقوة رادعة وحصناً في مواجهة الأعداء، وأن لا يكون المستهدف طائفة بأكملها ونسيج كبير من الشعب اللبناني، حينها لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

اللبنانيون ينتظرون من فخامتكم العمل مع السادة النواب والوزراء والقضاء والأحزاب والمجتمع المدني والمؤسسة العسكرية والقوى الأمنية للدفاع عن المصلحة العامة وعن حقوق اللبنانيين أفراداً وجماعات وأن نثبت للعالم أنه لا وجود لكلمة فشل في القاموس اللبناني. فليكن هذا الزمن زمن الإبداع وزمن جعل العالَم ينحني احتراماً لروح عزيمتنا وزمن الوعي والعمل والتضامن بيننا، لا فضل لطائفة على أخرى ولا ميزة لمواطن على آخر،

أتمنى لك النجاح والتميّز في عهدك والسداد والتوفيق، عهد احترام الدستور وبناء الدولة وتطبيق القوانين.