كليات الهجمة على النظام الاسلامي
ان كل من أرخ للتاريخ الاسلامي يستجلي ملمحاً من ملامح السبق الحضاري يفوق حتى ما يتصوره الغرب في الاذهان، فالباحث عن المعرفة يضطر للجوء الى مكتبات المساجد للحصول على مخطوطة كوسيلة رئيسية للتعليم. هذا اضافة للرواية الشفهية والكلمة المنطوقة التي امتزجت بالتراث العقلي الاسلامي. ونحن مطالبون بان نسجل للاجيال التالية الافكار التي كانت تنتقل في الماضي مشافهة. فخلال عصرنا الراهن حصل تحول واضح في ايران منذ عصر المشروطة "الثورة الدستورية" قبل قرن فانعكست على الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. ومن ثم انتفاضة حزيران عام 1963 ضد نظام الشاه كرد فعل واع ضد الشعور بالاستضعاف الذي فرضه الاستعمار الغربي خلال فترة طويلة على المجتمعات الاسلامية، فكان لابد من صحوة اسلامية حمل رسالتها سماحة الامام الخميني "ره" لاستعادة مجد الماضي. فتم طرح مشروع الحكومة الاسلامية وتبلورت في ضرورة ولاية الفقيه فاخذت اهتمام المفكرين في كيفية إنشاء دولة عصرية تتبنى على الموروث الفقهي الشيعي فصارت الفلسفة السياسية واقرار وجود الحكومة منذ ان خرجت الحياة البشرية من مراحلها الابتدائية الى النضوج والكمال. ولا خلاف بين المذاهب الاسلامية في وجود امام او حاكم يحكم على المسلمين في كل الاعصار.
ونقل عن ابي الحسن" "وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين وهمجاً مضاعين".
ومع انتصار الثورة الاسلامية الايرانية في شباط 1979 والتي رأت في الاسلام الحالة الفكرية الوحيدة المختزنة لمفردات تنظيرية جمة، لما للإمام الخميني "ره" اطلاع كامل بالمشكلات الداخلية التي تعصف بالعالم الاسلامي فأكد على توظيف مشاعر الرأي العام الاسلامي المنبثقة من الاصول العقائدية وتجنب الخلافات الطائفية. فكان الامام يدعو قادة الدول الاسلامية لاتباع هذا النهج بان الدول الاسلامية متى ما تناغمت وانسجمت اهتماماتها مع مشاعر المسلمين وتطلعاتهم العامة ستصبح مؤهلة لتحمل اعباء القيادة ومسؤولية المواجهة.
فسماحته حض قادة الدول الاسلامية ان ينتبهوا الى جرثومة الفساد هذه التي زرعت في قلب العالم الاسلامي لا يراد من خلالها القضاء على الامة العربية فحسب بل ان خطرها وضررها يهدد الشرق الاوسط بأسره، ولا يتم التخلص من شر هذا الكابوس الاستعماري الا من خلال التضحية والصمود واتحاد الدول الاسلامية.
وما من عاقل متحرق على دينه ووطنه لا يدرك ان هنالك هجمة على الاسلام والمسلمين بشكل كلي اذ تعتبر الصهيونية جزيئة من هذه الكلية الكبرى.
ولعل حرب الـ12 يوماً التي فرضت على ايران من قبل الغرب والصهيونية العالمية جرس انذار لجميع المؤمنين بأحقية الثورة الاسلامية لقيادة البشرية المستضعفة، وعرت جميع المنظمات الدولية المنادية بالدفاع عن الحقوق. وقد قالها رئيس الجمهورية "مسعود بزشكيان" قبل ايام واضحة: "ان حقوق الانسان والمنظمات الدولية ليست سوى كذبة، فالاعداء لا يريدون لايران ان تكون قوية ومستقلة وان الشعب الايراني لن يرضخ للقوة والعدوان كما لم يرضخ من قبل.
فايران تتمتع بقيادة استثنائية كما شهدنا في الحرب الاخيرة والتي استطاعت ان تسد الفراغ القيادي بسرعة وتدير المعركة بكفاءة ما يدل على ان النظام في ايران لا يعاني من فراغ او ضعف في القيادة كما يظن البعض". واكد نفس المعنى رئيس المجلس السيد قاليباف: " ان العامل الاكبر الذي يمنع العدو من الاضرار بايران العزيزة هو الوحدة الوطنية التي شهدها العالم. وان شرط الوحدة في اعتبار قائد الثورة الاسلامية سنداً مطمئناً، فالتصريحات الحكيمة لسماحته في لقائه مسؤولي السلطة القضائية شكلت نبراساً للنخبة وبثت الامل لدى الشعب مجدداً".
وبعد ان فشلت اميركا والكيان الصهيوني في حرب الـ12 يوماً من تغيير مواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية شرعت الترويكا الاوروبية "فرنسا وبريطانيا والمانيا" بالعزف على سمفونية آلية الزناد، حين اعلن وزراء خارجية هذه الدول عزمهم تفعيل آلية فرض العقوبات الدولية على ايران اذا لم يتم التوصل الى اتفاق جديد بشأن البرنامج النووي قبل نهاية الصيف. فهذه الدول اثبتت التجربة انها ذيل لاميركا، وقد منحتها ايران فرصة بين عامي 2018 و2019 لتعويض الاضرار والتداعيات الناجمة عن الانسحاب الاحادي لاميركا من الاتفاق النووي، ولكنه التزمت بجميع العقوبات التي فرضتها اميركا على ايران رغم ان ايران بقيت ملتزمة بالاتفاق. وستفشل هذه المحاولة كذلك لانها تصطدم بصخرة القيادة الحكيمة لايران وقانونية مطالبها الدولية.