ربان السفينة يحيل العواصف فرصاً
ان كان الفلاسفة قد اجمعوا على ان الموت هو المنتصر الوحيد فاننا المؤمنون بان الخلود ليس كلمة خيالية وانما حين يترك الانسان اثراً واضحاً في الحياة بتقديم نفسه قرباناً من اجل معتقده، فسيبقى خالداً بين أمته، ولا نقيم التاريخ بانه كابوس يجثم على امخاخ الاحياء، او زمن جفت البركة فيه تماماً ولم يبق من اثرها سوى الخرافات. فالعقائد مزيج تراكيب معرفية بمضي الايام ودوران الزمان، يضع العارف بزمانه بين يدي المتلقي بيانات ثرية، لما أتاه الله من الحكمة وفصل الخطاب. ومسؤوليته كربان يقود سفينة النجاة يعبر بها الامة الى ساحل الامان فيحيل كل الامواج الهائجة والعواصف العاتية الا فرص لتسريع الخطى نحو قداسة الهدف، بدل ان يستسلم لغطرسة المستبد وتضخم ذاته لتأكيد نفوذه فيعمل على اسكار الشعوب بخمر الاذلال والفقر والمحن ورائحة العطن وطعم الأسى.وتاريخ المنطقة يعج بشواهد مختلفة ينبغي ان نستلهم الدروس منها قبل فوات الاوان.
ففي حرب اكتوبر عام 1973 كان الجيشان المصري والسوري يتفوقان على الجيش الاسرائيلي في عدد الجنود المقاتلين بنسبة 1.5 الى 1 تقريباً، كما وحقق المصريون والسوريون تفوقاً كمياً في عدد طائرات القتال بلغت نسبته نحو 2 الى 1.
وفي مجال القوى البحرية كانت مصر وسوريا تتمتعان بتفوق مطلق في المدمرات والفرقاطات بنسبة 300%.
الا ان افتقاد وحدة القرار السياسي والاستراتيجي في المواجهة ومن ثم افتقاد وحدة الحشد والتخطيط للقوة وعدم وجود وحدة عربية سياسية اضافة الى الخلافات القائمة بين الدول العربية، كل ذلك – اضافة للدعم الاميركي الواسع لـ"اسرائيل" بالاسلحة والاموال – تسبب في التوصل لوقف اطلاق النار بما يصيب لصالح "اسرائيل" فبقيت الجولان محتلة والضفة الغربية بإدارة صهيونية. واصبحت آخر معركة تخوضها الدول العربية ضد "اسرائيل" وانجرت الى استدارج مصر للتصالح في اتفاقية كامب ديفيد، وابتلاع دول اخرى لعملية التطبيع كضفادع تبتلعهم المياه الآسنة للسياسة، لتتفرغ "اسرائيل" لمهاجمة لبنان وتصفية الوجود الفلسطيني في الجنوب.
ولنقرأ المعادلة الجديدة التي فرضتها الجمهورية الاسلامية الايرانية على الغرب والكيان الصهيوني منذ بزوغ الثورة حيث سحبت اعترافها بـ"اسرائيل" ووقفت امام الهيمنة الاميركية وممارساتها لسياسة التسلط والقهر حيال ايران منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وحتى اليوم فقلبت الجمهورية الاسلامية المعادلة ليس في ايران وحسب وانما على صعيد المنطقة كلها. فكانت ايران العمق الاستراتيجي لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق ولم تطلب ايران خلال كل الفترة التي دعمت فيها القوى التحررية والمقاومة اي شيء لصالح امنها القومي ومصالحها الوطنية، كما وعملت على توحيد الساحات في وجه الكيان الصهيوني وحماته خلال عملية طوفان الاقصى، وافشلت مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي هو تصور اميركي – صهيوني يقوم على اعادة رسم خرائط المنطقة من خلال تقسيم الدول الى كيانات طائفية واثنية تتنازع فيما بينها، لتبعدها عن الصراع مع "اسرائيل". ولما فشلت واشنطن بحربها الناعمة ضد طهران، اقدمت مع الكيان الصهيوني بعدوان همجي على ايران بذريعة امتلاك السلاح النووي، منتهكة القانون الدولي وجميع الاعراف الدولية. ولكن وكما قال الامام الحسن عليه السلام: "ولو اجمع الخلق جميعاً على ان لا يكون ما هو كائن ما استطاعوا". فالحرب لا تستطيع منع ايران من المضي في برنامجها النووي القائم على مواد مصنعة في ايران بأيد وعقول ايرانية، والضامن لمعرفة ما تفعله الجمهورية الاسلامية هو موافقتها على السماح للمراقبة الدولية، بالرغم من عدم ثقتها حالياً بالوكالة، فبدل ان تكون حكماً محايداً تأثرت ارادتها بشكل علني أو سري من قبل جهات معينة.
ان معادلة الردع الجديدة تكشفت على مدى 12 يوماً من المواجهات انه كيف فشل الكيان الصهيوني وداعمتها اميركا في تحقيق الاهداف العدوانية على ايران فيما تم استهداف قلب الكيان في تل ابيب بصواريخ باليستية وفرط صوتية اضافة الى المسيرات، فلم تفلح في صدها منظومات ثاد وحتس ومقلاع داود والباتريوت.