علي "عليه السلام" زرع هذا اللغم والخميني فجره
حسين شريعتمداري
1 – لو دققنا في كلمة لسماحة الامام الخميني – رضوان الله تعالى عليه – في مناسبة ولادة رسول الله "صلى الله عليه واله" والامام الصادق "ع" في ديسمبر من عام 1985؛ "ان ما اردت طرحه اليوم هو حصول امور في ولادة رسول الله "صلى الله عليه واله" هي امور نادرة حسب رواياتنا وروايات اهل السنة وهذه الامور ينبغي ان تدرس ما هي؟ ومنها قضية انشطار طاق كسرى وانهيار اربعة عشر شرفة من ذلك القصر وكذلك انطفاء مواقد نار فارس وسقوط الاصنام على الارض.... فانهيار اربعة عشر شرفة من قصر الظلم ألا يعني لكم انه يحصل في القرن الرابع عشر او بعد اربعة عشر قرناً"؟ ان قضية انهيار اربعة عشر شرفة من طاق كسرى، وانطفاء موقد نار فارس وسقوط الاصنام حين ولادة رسول الله "صلى الله عليه واله"، منذ ذلك الحين ولليوم، لطالما تناوله الكتاب والمؤرخون، الا ان تفسير الامام الراحل لهذا الحدث واخباره عن انهيار نظام السلطة في القرن الرابع عشر "القرن الحاضر"، قد جاء على لسان الامام وحده، فما الذي كان يراه ما لم يره الاخرون؟!
2 – في ديسمبر من عام 1980، وخلال لقاء خاص لمراسل مجلة تايمز الاميركية مع سماحة الامام – رضوان الله تعالى عليه – قال لسماحته: "لقد كان لك اسلوب حياة يختلف عن الحياة العصرية، فلم تطالع الابحاث المتعلقة بالاقتصاد الحديث والعلاقات الدولية الجديدة. ولم تواجه عالم السياسة المعاصرة والمعادلات الحالية في الحياة الاجتماعية، بناء على ذلك الا تشعر بضرورة اعادة النظر في ما اعلنته من مسار"؟!
فاجاب سماحة الامام "ره" بالقول: "لقد حطمنا المعادلات الدولية والمعايير الاجتماعية والسياسية التي كانت الى الان تقيم جميع شؤون العالم، فقد وضعنا اطراً جديدة يكون فيها العدل ملاكاً للدفاع، والظلم ملاكاً للهجوم. فندافع عن اي عادل ونهاجم اي ظالم، وعلى ذلك سمه ما شئت، فنحن سنضع لبنة هذا البناء. نعم حسب مقاساتكم انا لا اعلم شيئاً والافضل ان لا اعلم".
فما كان من مراسل مجلة تايمز إلا ووضع هذه الكلمات في المقدمة لما نشره من اللقاء باسلوب الغمز: " نتناول حديث رجل دين شيعي كبير انه جاء حسب زعمه ليغير النظام الحاكم في العالم المعاصر ليس في ايران لوحدها وانما في جميع العالم ليحل محله نظاماً فيه موازين العدل والظلم للعلاقات الاجتماعية والمعادلات السياسية توزن بميزان الاسلام"!
3 – كما وتفضل سماحة الامام الراحل "ره": "انا اقول بضرس قاطع ان الشعب الايراني وفئاته المليونية في عصرنا الحاضر أفضل من شعب حجاز خلال عهد رسول الله "صلى الله عليه واله" والكوفة والعراق خلال عهد امير المؤمنين والحسين بن علي – صلوات الله وسلامه عليهما – ". كما واكد سماحته "لا تخافوا من ضجيج ذوي القدرة، فان هذا القرن بإرادة الله القادر هو قرن غلبة المستضعفين على المستكبرين والحق على الباطل". كما ويطمئن سماحته في خطاب آخر ان "الاسلام سيقتحم الثكنات المحورية للعالم الواحدة تلو الاخرى".
"نحن الان في وضع حساس، هو الاكثر حساسية – حسب رأيي – على مر التاريخ ... وكأن العالم يتهيأ لطلوع شمس الولاية من افق مكة المعظمة وكعبة آمال المحرومين وحكومة المستضعفين". وعشرات الامثلة من هذا القبيل...
4 – ان "المنعطف التاريخي" مصطلح لطالما استخدمه خلال السنوات الاخيرة قائد الثورة المعظم. ففي اشارة لسماحته الى التغييرات غير المسبوقة في عالمنا المعاصر التي هي على وشك الوقوع ستعقبها تغييرات بنيوية وكبيرة في العالم. سنشير الى عدة امثلة منها، لنقرأ!
* "اعلموا ان تاريخ العالم وتاريخ البشرية يمر بمنعطف تاريخي كبير. ان مرحلة جديدة في جميع العالم ستبدأ. والعلامة الكبيرة والواضحة لهذه المرحلة هي الميل الى الله المتعالي واخذ المدد من قدرته الابدية واعتماد الوحي. فالبشرية قد تجاوزت المدارس والايديولوجيات المادية. فاليوم ليس هنالك اي جاذبية للماركسية ولا لليبرالية الديمقراطية الغربية". فبراير / 2011.
* ان ظروف العالم باتت تتغير يوماً بعد آخر. كونوا مع المستجدات، "حللوا" الاحداث في اطر اذهانكم وافكاركم بشكل معايش. يا أعزتي! نحن أما نواجه اليوم منعطفاً تاريخياً مهماً او نتحرك في خضم منعطف تاريخي مهم، والثاني ربما اصح، فالعالم يطرأ عليه التغيير، هي تغييرات اساسية، فالتغييرات الاساسية والكبيرة لا يمكن فهمها خلال اسبوع او شهر او عام، انها تحصل تدريجياً". نوفمبر 2022.
5 – ان اعداء الاسلام والثورة لطالما اشاروا – بقلق واضطراب – الى تغيير مسار التاريخ "وهو المنعطف التاريخي"، ومنهم؛
* في التاسع من مارس 2011 قال نتنياهو في كلمة امام الكونغرس الاميركي: "قبل ستة اشهر كنت خلف هذه المنصة وحذرت من خطر ايران النووية. والان نمر في زمن آخر، فالتغيير العميق على وشك الحصول من مضيق خيبر في السعودية الى مضيق جبل طارق في المغرب، وكل مكان اصابه الاهتزاز. فهذه الهزات تجعل الدول متصادمة والحكومات منهارة، ونحن نشهد جميعاً هذا التأرجح. ينبغي ان نقبل ان هنالك قوة مقتدرة تعارض الانموذج الذي في حساباتنا لادارة العالم.وعلى رأس هذه القوة المقتدرة تقف ايران الخميني والخامنئي، وانا احذر من ان مصرع التاريخ بات يدور معاكساً".
* ويقول بريجنسكي خلال الاجتماع السنوي للاطلنطي – الدول الواقعة على ضفتي المحيط الاطلسي – الذي ضم جيمز جونز واسكوكرافت مستشاري الامن القومي الاميركي لحكومة كارتر، وفورد، وبوش، واوباما. وبحضور ديفيد بتراؤس "رئيس السي آي ايه حينها"، وتامير باردو "رئيس الموساد حينها"، وجان ساورز "رئيس الـMI6 حينها"، قد قال: "ان العالم يمر بمنعطف تاريخي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، علائمه التحولات الشاملة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا والوقائع غير المتوقعة في اميركا واوروبا. فنحن نواجه تحد مستعصب وان التاريخ على وشك تغيير مساره .... وان لايران في هذا التحدي الدور الابرز، فيما تكون مهاجمة هذا البلد أمراً كارثياً"... ومئات الوثائق الناطقة ...
6 – في خضم حرب صفين والهموم تحيط قلب مالك، انه يرى علياً وهو في اوج قدرته مظلوماً، فانحدرت قطرات الدمع على وجنتيه وهو يكفكفها متوجهاً الى عمار قائلاً: " ليتنا نذهب بعلي الى زمان يعرف الناس قدره ويختاروا منهاجه" فيواسي عمار مالكاً بالقول: "تلك الايام التي نتمناها مقبلة فأني سمعت رسول الله "ص" يصف قوماً في اصلاب الآباء وارحام الامهات، وسيبعث هؤلاء الناس الذين تجاوزوا الانانية فلا تشغلهم المنافع ولا يهيم قلوبهم هموم العطاء.
وضعوا قلوبهم رهن الاسلام المحمدي الاصيل، وآمنوا بعلي مولاهم ومقتداهم، هؤلاء سيشقون السقف الاظلم من نظام السلطة ويأتون بمشروع جديد".
7 – جاء في الآيتين الثانية والثالثة من سورة الجمعة: (هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين*وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم). بعد نزول هذه الايات تساءل الصحابة؛ من المقصود بـ"آخرين منهم"؟ فوضع رسول الله يده على كتف سلمان الفارسي قائلاً: "من يعنيهم الله هذا الرجل وقومه".
8 – يقول عالم الاجتماع الاميركي "ايمانوئيل والرشتاين" بقلق: "ان العقبة الاساس التي نواجهها لإقرار النظم العالمي هي نظرية ولاية الفقيه للامام الخميني...فان جميع النظريات تتقادم مع مرور الوقت ويبهت بريقها لتلتحق التاريخ، إلا ان نظرية ولاية الفقيه للامام الخميني تزداد وهجاً وعصرية مع مرور الايام لتجذب الكثير من المسلمين".
9 – ويكتب عالم الاجتماع البريطاني "آنتون غيدنز" حول التغييرات الاساس للقرن الحالي: "كان في الماضي ثلاثة عمالقة في علم الاجتماع وهم: ماركس، دوركيم، ماكس وبر، مع القليل من التباين، قد قيموا حركة العالم نحو العلمانية وانكفاء الدين، الا انه منذ عام 1979 وبروز الثورة الاسلامية في ايران، شهدنا مساراً عكسياً لهذه النظرية، اي ان حركة العالم باتت تتجه صوب الدين".
10 – الاعلامي المصري الشهير "محمدحسنين هيكل" قدم مرة ثانية للقاء الامام الخميني "ره" المرة الاولى في باريس ومن ثم في طهران عام 1980. ونشر ذكرياته في كتاب بمائة صفحة بعد لقائه الامام في طهران. يقول هيكل: "لقد وجدت الامام الخميني كأحد صحابة رسول الله "صلى الله عليه واله" في صدر الاسلام، قد عبر نفق الزمان باعجاز ليعيش قرننا الحاضر ليقود جيش علي "عليه السلام" بعد شهادته واراقة دماء اهل البيت عليهم السلام، واني لاجد فيه هذه القدرة".
ويقول ان "ولاية الفقيه استعارة من حكومة علي عليه السلام ... فكانت ولاية الفقيه اللغم الذي زرعه علي في صدر الاسلام ليفجره الخميني تحت اقدام المستكبرين في القرن العشرين ...".
11 – ان ما مر غيض من فيض ... ويبقى تساؤل نهيب من عدم طرحه وهو أليس بقاء الجمهورية الاسلامية الايرانية رغم مساع لعقود بذلتها القوى الكبيرة والصغيرة في العالم في مواجهتها بالمعجز؟ ... "هي اشبه بالمعجزة" كلا انها هي المعجزة بعينها...