kayhan.ir

رمز الخبر: 207579
تأريخ النشر : 2025June02 - 20:24

العمق العقائدي للجمهورية الاسلامية الايرانية

 

 من الطبيعي ان يكون عمقاً ستراتيجياً لكل ثورة لانها لم تأت عن فراغ بل بعد زمن طويل من المخاضات ودورات معاناة تترك على جوانب البلد اشعاعاتها جراء مشتركات لغوية أو قومية أو مذهبية دينية. وليست ايران خارجة عن هذا النطاق بثورتها التي حدثت في الحادي عشر من شباط من عام 1979 كحدث تاريخي قلب الموازين الاستراتيجية اقليمياً ودولياً وفرض واقعاً سياسياً مغايراً عن الاصطفافات التي كانت تعلن هيمنتها في تلك الفترة كالرأسمالية الليبرالية والماركسية. اما على الصعيد الاقليمي فقد كان لتوقيت الثورة حساسية خاصة اذ كانت المنطقة تعيش جملة من التعقيدات في الصراع العربي الاسرائيلي، والساحة العربية تعيش حالة تراجع واضحة فيما يخص القضية الفلسطينية، فتجربة حرب 1973 التي افتخرت الدول العربية بها قد صودرت ثمارها وبدلاً من ان تكون فاتحة لصراع متكافئ مع العدو الصهيوني تحولت الى خاتمة للحروب بالنسبة للنظام المصري. بعد ان تمخضت عن خروج مصر من حلبة الصراع بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد المخزية. فمنحت الثورة الاسلامية العالم العربي فرصة تاريخية في التكفير عن خطايا الماضي وانحرافاته ازاء القضية الفلسطينية.

فقد طرح مفجر الثورة سماحة الامام الخميني "ره" شعار "لا شرقية ولا غربية جمهورية اسلامية" فانبلجت ايران كمحور ثالث من بين ثنايا الدجى وانتقلت من درك الدول المختلفة الى مستوى دولة اقليمية عظمى بعد الانجازات النووية والفضائية، وبعد الانجاز الابرز وهو الحصول على الاستقلال السياسي. واخيراً الدور الريادي للجمهورية الاسلامية الايرانية في حربها على الارهاب وخصوصاً في كل من سوريا والعراق ومد يد العون والدعم للمقاومة في لبنان وفلسطين، دون ان تعيقها القومية والمذهبية، فصار العمق الاستراتيجي الواسع لمشروع المقاومة المقدسة يمتد كطيف جيوسياسي من طهران الى لبنان وفلسطين مروراً ببغداد ودمشق وصولاً الى صنعاء، يستمد حياته من اطروحة ولاية الفقيه كأسلوب امثل لادارة الشؤون الاسلامية  عموماً، ولاسباغ مثل سياسية عليا عبر ازالة مظاهر الفساد من المجتمع ورفع مستوى الوعي العام والروح المعنوية بتنمية القيم الاخلاقية والانسانية والعودة الى الذات واشاعة الادب الثوري الديني.

فالتجربة الاسلامية في ايران عملت على آسلمة المقررات والقوانين المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والادارية والعسكرية والسياسية، واحيت مفاهيم الجهاد والشهادة والهجرة والاخلاص والحج السياسي والتضحية. وفي الجانب العملي عملت الثورة على ترسيخ مبدأ التنسيق بين الالتزام والتخصص والتدين والثقافة من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية ومراكز البحوث والدراسات.

اما القوات المسلحة فقد تحولت الى قوات مؤيدة للشعب اضافة لايجاد قوات التعبئة الشعبية.

ان هذا العمق العقائدي الذي أرخى بظلاله على الشعوب الاسلامية قاطبة لا يقارن بالعمق الاقليمي او التحالفات العسكرية او التشابه الاثني والمذهبي لدى سائر القوى سواء العالمية أم الاقليمية فهي تنتمي بمجرد موت رئيس حكومة او وقوع انقلاب عسكري مخالف للحكم السابق والى غيره من الموارد. ولكن امتدادات الثورة الاسلامية في ايران لم تحتج الى رخص دبلوماسية أو مستشارين ثقافيين لانها سبقت القلوب قبل الجيوب. ولعل ابرز تصريح في باكورة الثورة ما صرح به السيد الشهيد محمد باقر الصدر "ره" وهو القامة العلمية في الحوزة الدينية بالنجف الاشرف آنذاك، فقالها بإخلاص "ذوبوا في الامام الخميني كما ذاب في الاسلام". ودفع دمه قرباناً لهذا النهج هو وشقيقته آمنة الصدر، فجاشت في صدور المؤمنين الغيرة الدينية بكافة الطوائف دفاعاً عن النظام الاسلامي الجديد الذي هو أغلى من كل الانفس، ولا سبيل للاعداء في مواجهة التفوق العلمي للجمهورية الاسلامية الايرانية وهو ما صرحت به مؤخراً "وندي شرمن" الدبلوماسية في حديثها لاحدى وسائل الاعلام البريطانية: "اي هجوم على المنشأت النووية الايرانية قد يؤخر البرنامج النووي لمدة عام الى 3 سنوات لكن ايران ستستأنف برنامجها النووي بسرعة. دعوني اكون صريحة: المعرفة لا يمكن قصفها". هذه التصريحات وغيرها تأتي رداً على الخرق الصهيوني بضرورة مهاجمة ايران ولعل آخرها ما قاله الجنرال "تامير هيمان" قائد شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية السبت الماضي: "من بعد الهجوم على المنشآت النووية الايرانية سيقوم سلاح الجو الاسرائيلي بمهاجمة المنشآت الاخرى المرتبطة بتطوير الاسلحة النووية المنتشرة في جميع الاراضي الايرانية.هي حرب لم تشهدها "اسرائيل" من ذي قبل ويتحتم انهاء الحرب بأسرع وقت ممكن وعدم الانجرار الى حرب استنزاف ضد ايران".