اليمن سعيد في إبائه للضيم
خلال عقد من الضغوط وفرض الحروب على اليمن لم يكتف المقاومون بإصدار البيانات بل بالافعال؛ بحصار بحري وجوي اربك حسابات العدو الصهيوني، مما اعطى للمقاومة الفلسطينية دفعة كان لها عمق ستراتيجي في اليمن، ولتتحول غزة الى جوهر الصراع بين مشروع تحرري يسعى للاستقلال والسيادة وبين مشروع استعماري عنصري يريد اخضاع المنطقة بأسرها لذا صار كل اعتداء على صنعاء او على أي قوة داعمة للمقاومة هو في جوهره اعتداء على فلسطين ومحاولة لفصلها عن حلفائها الطبيعيين، فصارت حركة انصار الله الشريك الفعلي في المعركة وهذا ما ادركته حكومة نتنياهو لذا زادت من قصفها لمطار صنعاء لكسر ارادة اليمنيين، الا ان الذي تآكل هو ما يسميه الكيان الصهيوني بعقيدة الردع الاسرائيلي باعتمادها على توجيه ضربات خاطفة. فالردع لم يعد يخيف بل صار يقابل بجهوزية عالية من قوى المقاومة التي باتت تملك زمام المبادرة. كما صرح قائد حركة انصار الله السيد عبدالملك الحوثي: "ان موقفنا الديني والاخلاقي في نصرة فلسطين لن يتأثر مهما تكرر العدوان". ان جريمة الإبادة الجماعية بحق اخواننا في قطاع غزة والحصار والتجويع لهي جريمة لم تشهدها الانسانية من قبل وهو ما يحتم على كل الاحرار من ابناء امتنا ومن شعوب العالم التحرك انتصاراً للحق والانسانية.
ان اليمنيين اعتمدوا اساليب عسكرية منذ عام 2015 تجعل امكانية هزيمتهم صعبة، اذ يمتلكون بنية تحتية عسكرية مرنة ومنتشرة في مناطق متفرقة من الجغرافيا التي يسيطرون عليها ويعتمدون على التخفي والتمويه واللامركزية القتالية لذا فان الضربات لن تؤثر على قدرتهم على اطلاق الصواريخ على تل ابيب واستهداف الطائرات الاميركية.
وقد عجزت المخابرات الاجنبية من اختراق المجتمع اليمني فهو يتمتع بتماسك اجتماعي يصعب اختراقه ويمنع الاقتتال الاهلي. وهم يعتبرون حربهم مقدسة ليس فيها مصلحة ذاتية ما يجعل المقاتل اكثر استعداداً للتضحية وصبراً على المعاناة. ولا يمكن تصنيف المساعدات التي تأتيهم من الخارج بانها العامل الحاسم في الحرب، فقد اعتمدوا التطوير المحلي لاسلحة متقدمة مستفيدين من الهندسة العكسية للاسلحة المهربة واستنساخ تقنيات ايرانية. كما ان جماعة انصار الله باتوا محط افتخار من قبل شرائح واسعة من شعوب المنطقة.
لقد كشف السيد عبدالملك الحوثي في كلمته الاسبوعية الخميس الماضي ان ما تقوم به الانظمة العربية والاسلامية هي محاولة للالتفاف على الاجراءات التي يقوم بها اليمن نصرةً للشعب الفلسطيني. وان نسبة كبيرة من حركة السفن في البحر المتوسط التي تحمل البضائع الى العدو الاسرائيلي تعود الى خمسة أنظمة عربية واسلامية.
فلو قارنا هذه الخيانة من بعض الحكام لما يفعله اليمنيون بدعمهم لسكان قطاع غزة هو نفسه الموقف عندما بدأ اليمنيون بعد السابع من اكتوبر عام 2023 باطلاق صواريخ تجاه الكيان الصهيوني تعبيراً عن دعمهم للفلسطينيين تعامل هؤلاء الخونة مع الفعل اليمني بسخرية وقللوا من شأن المقاومة باعتبارهم مجرد مجموعة من مثيري الحروب غير الاذكياء الذين يعملون باشارة من ايران. ولكن بعد مرور اكثر من عام وثمانية اشهر لم يعد ينظر الى اليمنيين كظاهرة غريبة وانما اصبحوا تنظيماً يعمل بشكل ممنهج ويصمد وسط التحولات الدراماتيكية في الشرق الاوسط، حتى اضطر الرئيس الاميركي ترامب ان يوافق على وقف العمليات الهجومية في اليمن معللاً ذلك بالتكلفة الباهظة – مليار دولار في الشهر الاول – حسب مصادر امنية اميركية. والحقيقة هي ان هؤلاء المعتدين قد اعادوا قراءتهم للمعادلة الامنية الدولية وان الدول صارت تقاس بعمق ردعها لا بما تملكه من ثروات. وحسب مصادر غربية مثل "بالتيكو" و"ناشنال انترست" في تحليلها لما يجري في اليمن خلال عقد من الزمن بانها ليست لم تنهار جراء الحروب والحصار الاقتصادي وحسب بل نجحت في نقل الصراع والحصار من حالة الدفاع الى حالة الردع الفعال.
وما التحذيرات التي يطلقها اليمنيون لشركات الطيران العالمي حول حركة ومسار المقاتلات الاسرائيلية وتحميل منطقة حظر الطيران، من أجل تأمين سلامة الملاحة الجوية والبحرية في مناطق القتال. فصار اختباراً للنظام الامني الاقليمي لاسيما بعد ان غيرت حاملة الطائرات البريطانية والفرقاطات التي ترافقها مسارها من البحر الاحمر باتجاه المحيط الهندي ومن ثم المحيط الهادئ، بعد ان عبرت قناة السويس غيرت مسارها باتجاه الشمال.
اذ اعلنت حاملة الطائرات البريطانية ان نشاطها سيكون لثمانية اشهر شمال البحر الاحمر فقط في عمليات غير قتالية.
هذا اضافة الى احتجاز اليمنيين لسفينة "غالاكسي ليدر" وانها اول عملية بحرية واسعة النطاق وقد اعترف الكيان الصهيوني بملكيته لهذه السفينة. وكان هذا درساً للكيان كي لا يستفرد بالشعب الفلسطيني، وان الصراع متواصل يدار من منظومة الصمود والمبادئ الثورية والاستعداد لتحمل الاثمان وتقديم التضحيات.