مفاوضات من موقع قوة
للتوصل الى اتفاق بشأن البرنامج النووي الايراني عقدت خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة بين ايران واميركا، مع اصرار الطرف الاميركي على ايقاف ايران نشاطات التخصيب، فيما تلجأ ايران كالعادة الى املاءات القوانين الدولية بتمتع اي دولة حق التخصيب لشؤونها السلمية ولذا فان استعمال اليورانيوم المخصب للصناعات والخدمات الحياتية خط أحمر ليس بمقدور اي قوة تجاوزه، وهذا ما اكده المتحدث بأسم الخارجية الايرانية "اسماعيل بقائي" في حوار مع مراسل قناة "سي ان ان"، بان ايران لن تتخلى عن التخصيب النووي تحت اي ظرف من الظروف. واننا نعلم ان برنامجنا النووي سلمي بالكامل ونحن ملتزمون بضمان بقائه سلمياً. ولن تفيد التهديدات فالايرانيون لا يستسلمون لاي نوع من الضغوط...سنكون يداً واحدة لندافع عن امننا القومي.
ان التكنولوجيا النووية هي مفتاح لدفع عجلة التطور العلمي وقد اولت ايران اهتماماً لكافة القطاعات الداخلة ضمن حركة تطوير الصناعة النووية على اساس الوثيقة الاستراتيجية الشاملة. وكان سماحة قائد الثورة قد اكد منذ عشرين عاماً على انتاج 20 الف ميغاواط من الطاقة النووية، وهو مشروع ضخم انطلق عملياً بتشكيل شركات منفذة. من هنا فان ايران نجحت في تحقيق جميع مقومات التصنيع النووي، وتملك القدرة على انتاج قنبلة نووية خلال فترة قصيرة، إلا ان فتوى سماحة القائد بعدم نشر هكذا اسلحة اضفت على القضية طابعها الشرعي المبدئي. ولطالما طرح الفريق النووي الايراني المواقف الاصولية لايران بشفافية كاملة ومدى الالتزام بهذه القواعد في الدفاع عن حق تخصيب اليورانيوم جاعلين توجيهات سماحة القائد بهذا الخصوص نصب اعينهم حين تفضل بالقول: "ان الجمهورية الاسلامية الايرانية لا تنتظر سماح اي احد في تخصيب اليورانيوم".
وهذه القاطعية والحزم لدى الفريق المفاوض الايراني خلال الجولة الخامسة، كان السبب في مغادرة ممثل الفريق الاميركي "ويتكوف" الاجتماع غير المباشر. فقد جاء يحمل رسالة ان يكون التخصيب صفراً في ايران وان تغلق جميع المنشآت النووية. وهذا التعبير هو نفسه الذي ادلى به وزير الخارجية الاميركي "روبيو" بأ الاتفاق الذي نرضاه هو الاتفاق الذي لا يسمح لايران بان تخصب اليورانيوم. واذا كان ادعاء ايران صحيحاً القاضي بعدم سعيها انتاج السلاح النووي فلا حاجة للتخصيب وينبغي ان يصل تخصيب اليورانبوم الى الصفر".
التخرصات الاميركية هي كالعادة لا تنسجم والنصوص الدولية، وصريح مفاد "ان بي تي"، حين اعتبرت القوانين الدولية المتعلقة بالتقنية النووية السلمية كل نشاط لاي دولة راغبة في دورة نووية للاستعمالات الطبية والعلاجية والزراعية والصناعية ضمن اطار المسموح. وهو ما تستفيد منه عدة دول مثل: "الارجنتين، البرازيل، المانيا، اليابان، هولندا، كوريا الجنوبية، كازاخستان، بلجيكا، ايطاليا، اسبانيا والسويد".
هذه الرؤية الواقعية اذعن لها حتى مهندس العقوبات الاميركية على ايران "ريتشارد نفيو" في حديث لمجلة "فورين افيرز": بان الاتفاق النووي مع ايران حالياً هي فرصة ذهبية ينبغي ان لا تضيعها ادارة ترامب، بعد ان راهنت الادارة الماضية في تعويق التقدم النووي الايراني، فلا حيلة لاميركا سوى القبول بتخصيب ايران لليورانيوم.
ويرجح مراقبون ارتباط الاقتراح الذي طرحه الوسيط العماني بالامر المرفوض من قبل إيران الذي ينبغي ان لا يقترب منه الفريق المفاوض الايراني. فالاقتراح العماني هو ان توقف ايران نشاطات التخصيب لثلاث سنوات كي يتم التوصل الى اتفاق مؤقت مع اميركا، وفي المقابل ترفع اميركا بعض الحظر الاقتصادي المفروض على ايران. فالاتفاق المؤقت قد تمت تجربته في الاتفاق السابق "خطة العمل المشتركة الشاملة" اذ تم ردم مفاعل اراك لاجل تعليق التخصيب بينما لم ترفع اميركا العقوبات بكل وقاحة. وهذا اللحن غير المتوازن يعزف عليه للاسف في الداخل اولئك المتأثرون بالغرب بان القبول بشروط اميركا هو حلال المشاكل الاقتصادية لايران، بينما برهنت حكومة الشهيد رئيسي عملياً نجاح ادارة البلاد مع فرض اقصى العقوبات الاميركية على ايران. اذ نجحت الجمهورية الاسلامية الايرانية في مواجهة هذا الحظر الظالم بالالتفاف على العقوبات. فلم يدرك البعض القدرات الذاتية لايران ويحاول ان يقارنها بالتجربة الليبية او النووي العراقي زمن المجرم صدام اوكما حصل لاوكرانيا عام 1994.
ان العقوبات لم تتمكن من منع التعاون الايراني اقتصادياً مع دول الجوار والانضمام لمجموعة بريكس وشانغهاي واوراسيا.
فتحولت العقوبات الى فرصة للتطور العلمي وجامعة لتخريج عقول محلية في مختلف المجالات، ولعل اخرها توقيع عقد مع كازاخستان لتصدير الخدمات الفنية والهندسية للتكنولوجيا الايرانية لانتاج 800 الف طن من الحديد الاسفنجي لتقديم الخدمات الى كازاخستان. والتوصل لمعاهدة مع الهند في الشؤون المدنية والتجارية، وتعزيز التعاون مع تركيا في القطاعات الصناعية والتكنولوجية، ومشاركة طهران مع مسقط خلال زيارة الرئيس بزشكيان لسلطنة عمان في لجنة للتعاون الاقتصادي للقطاعات التقنية والهندسية والصناعات الغذائية والتعدين والذكاء الاصطناعي والبتروكيمياويات والمعدات الطبية والصيدلانية.
وهكذا تفشل مخططات اميركا في تفكيك البنية التحتية النووية ومساعيها في الحد من القدرات الصاروخية، ومحاولة الحصول على ضمانات تكبح دعم ايران لمحور المقاومة او تغير سياستها في تسليحه ودعمه.
اضافة لسعي اميركا الى فصل ايران عن المحور الشرقي وخصوصاً روسيا والصين ورسم خارطة للاستقطاب السياسي نحو الغرب، بعد ان سمعت من كبير المفاوضين وزير الخارجية "عباس عراقجي" بان ايران لن تدخل اي مفاوضات سوى تلك المتعلقة بالملف النووي. وما اكده سماحة القائد السيد علي الخامنئي "دام عزه" بان محور المقاومة لا يشكل جزءً من اجندة ايران التفاوضية مع الغرب على الرغم من دعم ايران له.