kayhan.ir

رمز الخبر: 207186
تأريخ النشر : 2025May26 - 20:22

حين تزاود دمشق على المطبعين

 في قصر "دولمة بهجت" باسطنبول، اجرى الرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" السبت الماضي، محادثات رسمية مع رئيس الادارة السورية المؤقتة "ابومحمد الجولاني" في زيارة غير معلنة تناولت ملفات امنية حساسة تتعلق بمستقبل سوريا. وفي نفس اليوم أعلن وزير الخارجية الاميركي "ماركو روبيو" اصدار بلاده اعفاءً لسوريا من العقوبات بموجب قانون قيصر، قائلاً: "ان الاعفاء من عقوبات قانون قيصر هو الخطوة الاولى في تحقيق رؤية الرئيس "دونالد ترامب" بشأن العلاقة الجديدة مع سوريا الامر الذي يسهل الخدمات الاساسية واعادة الاعمار، بحيث ندعم جهود الشعب السوري لبناء مستقبل اكثر اشراقاً". وبالتزامن اصدرت الخزانة الاميركية ترخيصاً عاماً يسمح باجراء المعاملات في سوريا، كانشاء ناطحة سحاب باسم الرئيس ترامب في دمشق بارتفاع 1050 متراً متجاوزاً برج خليفة، وبتكلفة 8.5 مليار دولار بتمويل من مستثمرين سوريين عرب واجانب وحسب صحيفة الغارديان فان مجموعة تايغر العقارية التي يترأسها "وليد الزعبي" تعتزم اطلاق المشروع وخلال زيارة الجولاني لتركيا التقى المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا "توماس باراك" الذي اشاد باستعداد الجولاني اتخاذ خطوات بملف تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. فيما ذكره بضرورة تنفيذ الشروط الاميركية وما طلبه ترامب من الجولاني بالتوقيع على الاتفاقيات وترحيل من وصفهم بالارهابيين الفلسطينيين. فرافق ذلك الطلب ضغوطاً على الفصائل الفلسطينية في دمشق – كانت مقربة من الحكم السابق في سوريا – فشملت تفكيك التنظيمات وفرض تضييقات، ومصادرة ممتلكات وتسليم للسلاح وحتى اعتقالات، مما ادى الى مغادرة قيادات فلسطينية لسوريا، واعتقال عدد من قادة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية من بينهم الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة "طلال ناجي".

ان هذه الاجراءات جاءت بعد سلة من التحفيزات، نذكر منها: في الثاني والعشرين من آذار الماضي قال "ستيف ويتكوف" المبعوث الخاص للرئيس الاميركي ترامب الى الشرق الاوسط (ان تطبيع اسرائيل مع سوريا ولبنان اصبح احتمالاً حقيقياً، بعد ان خرجت سوريا من دائرة "النفوذ الايراني"). كما وصرح النائب الجمهوري "مارلين ستوتزمان" في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست – بعد زيارته لدمشق – قائلاً: " ان الشرع اعرب عن انفتاحه على الانضمام  الى اتفاقيات ابراهام". بينما كشف مصدر اسرائيلي عن محادثات مباشرة جرت مؤخراً بين ممثلين سوريين واسرائيليين في جمهورية اذربيجان بحضور اللواء الاسرائيلي "عوديد باسيوك" ومسؤولين اتراك ما يعكس تقارباً غير معلن بين الطرفين، ليعززه زيارة وزير الدفاع السوري "مرهف ابو قصرة" الى تل ابيب – حسب صحيفة هآارتس – واللقاء بمسؤولين اسرائيليين. والتي يمكن الاطلاق على هذه الدبلوماسية بستراتيجية وراء الجدار. فالتطبيع هو اقامة علاقات دبلوماسية وتجارية طبيعية مع "اسرائيل" بينما يأتي التحرك الاسرائيلي في سياق اقليمي متغير تعمل فيه تل ابيب على توسيع دائرة الدول العربية المطبعة، مستغلة حاجة سوريا الى مختلف انواع الدعم، فلجأت "اسرائيل" الى صياغة علاقاتها مع سوريا بشكل عدواني على الارض بحيث يخدم مصالحها الاستراتيجية والامنية من خلال وسائل ضغط تتعارض مع القانون الدولي، بعد رسائل سياسية صريحة صدرت عن نتنياهو في اكثر من مناسبة بان "الشرق الاوسط" يتغير وعلى كل الدول ان تعيد التفكير في علاقاتها مع "اسرائيل" ومن بينها سوريا.

ان الكيان الصهيوني استخدم ورقة الاقليات والتظاهر بالدفاع عنها كأداة مزدوجة تستخدم لتبرير التدخلات الامنية والعسكرية من جهة والابتزاز السياسي والدفع باتجاه خيارات لم تكن مطروحة سابقاً على رأسها التطبيع من جهة أخرى. فتقسيم النهج المجتمعي يضعف مركزية القرار السياسي بالتبع. من هنا شاهدنا – بعد اسقاط حكومة الاسد – توغل جيش الاحتلال الاسرائيلي برياً في المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ بشكل متكرر، بذريعة انشاء منطقة عازلة بين الاراضي السورية وهضبة الجولان ملغياً بذلك اتفاق فض الاشتباك الموقع بين الجانبين عام 1974. واستمر الكيان الصهيوني بقصف الجنوب السوري ومحيط العاصمة لاستهداف عشرات المواقع العسكرية وتدمير الطائرات ومقدرات عسكرية هائلة والبنى التحتية للصواريخ "ارض – جو"، ومدافع مضادة للطائرات. وتبرر كل ذلك بانها "اجراءات وقائية" ضد تهديدات امنية محتملة. اذن فليس التطبيع هدفاً لـ"اسرائيل" وانما تستثمر التوترات الداخلية في سوريا من خلال دعم بعض الاطراف كالدروز وقوات "قسد". اذ ان التعامل مع دولة ضعيفة ومفككة افضل من التطبيع مع نظام لا يدرى ما سيحصل معه مستقبلاً؟.. وهذا التحليل ما نستنتجه من وصف وزير الدفاع الاسرائيلي "كاتس" للجولاني بانه ارهابي جهادي من مدرسة القاعدة وذلك بعد ارتكاب فظائع ضد المدنيين من الطائفة العلوية، مضيفاً: "ان الشرع خلع عباءة الجهاد وارتدى بدلة عصرية ليظهر وجهاً معتدلاً لكنه الان كشف عن وجهه الحقيقي".

وهكذا مهما حاولت الادارة المؤقتة في دمشق لعب دبلوماسية "كرة السلة" لخداع الرأي العام والداخل السوري، إلا ان الحقائق على الارض يعريها حتى اسيادها الجدد.