kayhan.ir

رمز الخبر: 206845
تأريخ النشر : 2025May20 - 20:26

"جدعون" الصهاينة مجرم بالفطرة

 

 تتجدد النكبة مع شن حروب جديدة تستبطن التهجير القسري للشعب الفلسطيني، كما وتتجدد محاولات العدو الصهيوني لتبرير حرب الابادة والتجويع بأفظع اشكاله. فيسعى الاحتلال بدعم اميركي شطب حق العودة فضلاً عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، كحد ادنى لمواجهة الواقع السياسي للامة، المسحور بالهيمنة الغربية ومشاركتها في القتل بوعي وتخطيط، طبعاً باستثناء بعض الغيارى الذين يخرجون في تظاهرات حاشدة ضد الابادة الجماعية التي ترتكب في غزة كما شهدت "الدار البيضاء" في المغرب تجمعاً للالاف المطالبين بوقف سياسة تجويع الشعب الفلسطيني والذين أدانوا صمت الحكومات العربية والاسلامية. وهذا ما يزيد من الروح المعنوية للمقاومة اذ اعلنت قوات الشهيد "عمرالقاسم" ان مقاتليها استهدفوا "اول امس" الجنود الصهاينة بالرصاص واندلعت اشتباكات في منطقة العطاطرة شمال غرب غزة، وتمكن ابطال المقاومة من اصابة عدد من الجنود باستخدام قنابل ذات انفجار انشطاري. وسيكون الهجوم البري للصهاينة من خلال عملية "عربات جدعون" فرصة نادرة للمقاومة الفلسطينية لالحاق المزيد من الخسائر بالعدو، فالمقاومة ليست كما كانت سابقاً فهي تقاتل بعقيدةوخبرة وبقدرات تراكمت على مدى سنوات من الحصار والمعارك فبامكانها من خوض حرب استنزاف طويلة الامد، وتتحول من موقع الدفاع الى الهجوم مع بدء الاحتلال البري لاجزاء من خزة في عملية عسكرية صهيونية جديدة اطلق عليها اسم"عربات جدعون" والتي تحمل فارقاً جوهرياً بين الاحتلال المرتقب والاحتلال السابق لقطاع غزة الذي استمر من عام 1967 والى عام 2005. وتسير العملية وفق خطة محكمة تتكون من ثلاث مراحل رئيسة، تبدأ بالسيطرة الميدانية، مروراً بتهجير السكان، وصولاً الى محاولة القضاء على حركة المقاومة الاسلامية من خلال تدمير منظومة قيادتها، رغم الدخول في مفاوضات وقف اطلاق النار وبلوغها مرحلة الحسم. فبدأ الاحد الماضي عمليات برية واسعة في مناطق شمالي غزة وجنوبه بعد ان قصف 670 هدفاً تمهيداً للعملية البرية. فكانت الحصيلة اليومية 148 شهيداً و280 جريحاً، فهذه القوة النارية كمرحلة اولى ستؤدي الى اجبار السكان على الفرار مع توفير مسارات محددة للخروج لدفع ما يقرب من مليون فلسطيني في منطقة محصورة قرب محور "موراغ" صلاح الدين، ليتم تهجيرهم لاحقاً ربما الى ليبيا كما اقترح ترامب بعد ان فشلت محاولات اسكان اهالي غزة في مصر والاردن اولاً ثم فشلت المحاولة الاخرى بابعادهم الى الصومال او الانبار في العراق. والستراتيجية الخطرة للصهاينة تكمن في التخلص من السكان الاصليين بعد السيطرة على الارض.

أما رمزية عنوان الحملة هذه "عربات جدعون" فتعود لسردية اسرائيلية. فجدعون احد زعماء العبرانيين المعروفين بـ "قضاة اسرائيل"، اذن فالاسم له دلالات توراتية وسياسية عديدة وسبق استخدامه في اكثر من جريمة تاريخية ضد الشعب الفلسطيني.

اذ ان استحضار "نتنياهو" لرموز دينية وتاريخية تعزز من "شرعية" عملياته العسكرية وتضفي عليها طابعاً "بطولياً" فيرى نتنياهو نفسه "جدعون" جديداً قد بعث لليهود، كما ويعتبر الضفة الغربية انها "يهودا والسامرة" وهي ارض توراتية وليست محتلة، كما جاء في سفر التكوين بان "الرب اعطى هذه الارض لآبائنا"، ويستند الى المزامير وسفر صموئيل ليبرر ضم شرق القدس بان القدس هي العاصمة الابدية التي اختارها الله لشعبه، واول ما استخدم الصهاينة مصطلح "جدعون" عند احتلال وادي بيسان شمال شرقي القدس ضمن عملية عرفت بأسم "عملية جدعون" كجزء من حرب النكبة عام 1948، كما واطلق جيش الاحتلال عام 2015 خطة استراتيجية متعددة السنوات بأسم خطة جدعون. فيحاول نتنياهو وضع مقاربة مستمدة من القصص التوراتية "سفر القضاة / الاصحاحات 6 – 8" هي اشبه الى قصة طالوت التي اوردها القرآن الكريم رغم اختلاف السياقين الدينيين الا ان تفاصيل القصتين تظهر تشابهاً لافتاً في البناء الرمزي والرسالة العقائدية. وهي فكرة الانتصار بالقلة المؤمنة والتفوق بالتكتيك والايمان بمواجهة اعداء اكثر عدداً وقوة ووحشية. فالعربات ترمز الى القوة والتكتيك والقيادة الملهمة التي جسدها القاضي اليهودي حين كان بنو "اسرائيل" في زمن جدعون تحت قهر المديانيين.

الا ان جدعوننا اليوم هو فارغ من الايمان ولا دين له اصلاً. وهو يستمد جبروته من جبابرة العصر "اميركا والغرب" وليس من القلة المؤمنة، كما في النص القرآني "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين" البقرة 249. وحري بالامة الاسلامية اليوم ان تستلهم اقتدارها وعزها من النماذج القرآنية لتستمطر الرحمة الالهية في حربها مع العدو الذي يحرف سياق التاريخ ومجريات السنن الكونية بعد ان حرف القضية من الاساس في سردية مظلومية بني اسرائيل وكيف انهم ابعدوا من ديارهم "فلسطين" وهي السردية التي اتى بها "صندوق استكشاف فلسطين الانجيلية عام 1860 في لندن، وهي منظمة بريطانية حرفت تاريخ فلسطين وطوبوغرافيتها وان اليهود هم اول من سكن ارض فلسطين وقد تعرضوا للسبي البابلي، في الوقت الذي اثبتت الوثائق والاثار ان بني اسرائيل كانوا في اليمن وان فلسطين هي جزء من الامبراطورية الآشورية التي حكمت بلاد ما بين النهرين منذ 2600 ق.م وانتهت 609 ق.م وهيمنت على الشرق الادنى وآسيا الصغرى والقوقاز وشمال افريقيا والبحر الابيض المتوسط.