داعش والإستراتيجيات الكبرى للصهيوأمريكية
حسن شقير
في مقالاتي السابقة حول الإرهاب – والتي خالفت فيها الكثير من الزملاء الكتاب في نظرتهم للإرهاب ، وتأزر الدول والأطراف المتضادة في مواجهته – ، كنت وما زلت معتقداً أن هذه النظرة ، هي نظرة وردية متقدمة ، لم يحن أوانها بعد .. ولأسباب استفضت في شرحها في كل مرّة ، ولكن بغض النظر عن هذا وذاك ، فإن التطورات الأخيرة التي حدثت في الميدانين السوري والعراقي ، جعلتني أكثر تمسكاً بمعتقدي حول استخدام الإرهاب من قبل الكثير من الدول كرافعة أساسية في خدمة السياسة الدولية من جهة ، وجعله من العوامل الحيوية في استراتيجيات الكثير منها ، وخصوصاً تلك التي كان لها الباع الأكبر في إنباته وتفريخه وتشظيّه المتعمد في كل أماكن النفوذ المنظورة لديها … حيث كان على رأس تلك الدول أمريكا ومعها الكيان الصهيوني ، ومن لف لفهم من دول تحالف العدوان على سوريا اليوم ..
ما الذي يدعم هذه الرؤية ؟
لاشك أن التطورات التي تجري اليوم في العراق ، وتمدد الإرهاب وسريانه في الجسد العراقي ، والذي أعقب فشل تشكل الصورة السوداوية المبتغاة أمريكياً للأزمة في سوريا ، والتي كان من أهدافها ، تحقيق أمريكا من خلالها – في زمن أفولها – سلّة متكاملة من الأهداف لضمان أمن الكيان الصهيوني :
أ-جعل المشهد الدامي في سوريا يتفلّت من كل عقال , تتطاير شظاياه في محيطها الجغرافي .. وعلى الصعد كافة , بحيث تصبح سوريا دولة فاشلة – رسمياً – ومسبباً رئيسياً لتهديد السلم والأمن العالميين , لتبدأ المناشدات الأمريكية وغير الأمريكية بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن مجدداً , وإتخاذ قرار بالتدخل السريع حماية للسلم والأمن الدوليين .. والمطالبة بتشكيل قوات دولية – سواء بمشاركة روسية وصينية أو من عدمها – ليُسترجع الحلم الأمريكي والصهيوني في محاصرة حزب الله وضرب طرق إمدادته من سوريا ..
ج- إحداث نوع من النزوح المناطقي ..تمهيداً لمخطط الفرز والتصادم الجغرافي المذهبي , ليتناغم ذلك مع طرح يهودية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ، والتي تتجانس مع إقامة الإمارات والولايات " الإسلامية " .
د-عزل إيران وإفقادها دورها وتأثيرها في المنطقة , وتحديداً في قضية فلسطين والصراع مع الكيان الصهيوني …
بعد التطورات الميدانية في سوريا ، لصالح محور الممانعة بكافة أطرافه ، والتي جعلت من أمريكا و داعش والكيان الصهيوني يفشلون في تكامل أدوارهم وتلاقي أهدافهم عند الحدود اللبنانية – السورية ، وحتى عند مثيلاتها السورية مع الكيان الصهيوني ، وذلك بعد تيئيس الكيان من قيام " الجدار الطيّب " بالدور المناط له في تحقيق الأمن المنشود صهيونياً ، وخصوصاً بعد رسالتي عبوات شبعا والجولان الأخيرتين … بعد كل ذلك اتجهت بوصلة هذه الأطراف الثلاث نحو الحدود العراقية السورية ، في محاولة جديدة ، عنوانها : تلاقي الغايات و تكامل الأهداف .
بتر الأهلّة وتهديد الأقواس
لا شك أن الموقع الجغرافي التي تمددت منه داعش من الحدود السورية ، إلى الحدود العراقية ، من دير الزور والحسكة ، اإلى محافظتي الأنبار ونينوى العراقيتين ، وصولا ً إلى محافظة صلاح الدين ، يشكل منطقة استراتيجية وحيوية جداً لكل من " الهلال الشيعي " و " القوس السني " على حد سواء … فالبنسبة للأول يُعتبر تموضع الداعشيين بتراً واضحاً لهذا الهلال ، في رقعته العراقية ، وذلك بعد أن كان المخطط الصهيوأمريكي – الداعشي ، بتره في رقعته على الحدود اللبنانية السورية ، قبيل الإنتصار الذي حققته سوريا ومعها أطراف الممانعة هناك ، حيث أضحت هذه البقعة من الهلال عصية على الإختراق ، إن من الجانب السوري ، أو من الجانب اللبناني …
يدعم هذا التحليل ، التهديد بالحرب فيما سمي بكيميائي الغوطة ، الهجوم اللاحق الفاشل الثاني في كسر الطوق عن الغوطتين في الخريف الماضي ، الصراخ والعويل الصهيوأمريكي جرّاء فشل ذاك الهجوم، .. فالكل يذكر مقولة بعض من مسؤولي السياسة والحرب في تل أبيب في خضم معارك القلمون بأننا " لن نسمح لحزب الله بالسيطرة على سلسلة جبال لبنان الشرقية " ، فضلا ً عن نقل بعض من محللي السياسة عن لسان قادة الإحتلال ، قولهم " بأن جرح يبرود يجب إن يبقى نازفاً بالسيارات المفخخة على الضاحية الجنوبية " !
هذه الخطورة الصهيوأمريكية على ذاك الهلال ، بأيادٍ داعشية ، تُظهر مدى توجس محور الممانعة منها جلياً ، وذلك برز في تصريح الرئيس الإيراني ، معلقا على تمدد الدواعش في العراق " بأننا سنتدخل في الوقت المناسب لمحاربة الإرهاب في المنطقة والعالم " ، وذلك في رسالة إيرانية قوية ، بأن ما تحققه إيران من منجزات في سوريا ، لن تسمح لأحدٍ بتضييعه في العراق .
ما ينطبق على الهلال الشيعي ، ليس بعيدا ً في أبعاده الإستراتيجية عن " القوس السني " الممتد من تركيا مرورا بالعراق ، فالسعودية ، وصولا ً حتى الأردن ، فالإرهاب الصهيوأمريكي ، أضحى غب الطلب ، تارةً لتفتيت الدول ، وطوراً لإضعافها ، وربما لاحقاً لتطويعها ، ومنعها من الخروج من بيت الطاعة الأمريكي في زمانه القادم .
دوزنة الأفول الأمريكي
مما لا شك فيه أن العام 2014 ، هو عام مصيري للولايات المتحدة الأمريكية ، كونه عام الإستحقاقات الكبرى لديها ، انطلاقاً من خروجها المرتقب من أفغانستان ، وكذلك هو عام الإتفاق النووي المرتقب والشامل مع إيران حول برنامجها النووي ، فضلا ً عن أن الشهور المقبلة فيه ، هي محطة الانتخابات النصفية الأمريكية ، وترقب نتائجها وتداعياتها على السياسة الخارجية للولايات المتحدة ، فيما تبقى من ولاية الرئيس أوباما .. وهو بالإجمال يوسم بأنه عام الخروج المنظم من المنطقة ، ودخول أمريكا رسمياً في زمن الأفول.. لذلك ، وحرصاً على منطق التعويض الأمريكي أمام محور الممانعة تارة ً ، وحفاظاً على ما تبقى من ماء وجه لهذه الأمبراطورية – الهرمة ، والتزاماً منها بمبدأ الحماية الأزلي للكيان الصهيوني تارةً أخرى ، ووفقاً لما توصلت إليه في مقالة سابقة ، في أن الإرهاب والصهيونية وأمريكا جميعم من مشربٍ واحد ، إن لناحية البنى التفكيرية ، أو لناحية تطابق وبراغماتية رؤاهم المصلحية والجغرافية ، فإننا نرى في تمدد داعش داخل العراق ، ما يلي :
- الحفاظ على صورة أمريكا – رغم عجزها – في المنطقة ، على أنها ستبقى حاجة دولية على درجة عالية من الأهمية في محاربة الإرهاب .
-إضعاف النفوذ الإيراني المرتقب والواعد في المنطقة ، بعد الإتفاق النووي معها .
- توهين الإنتصار المتوقع لمحور الممانعة في سوريا ، وذلك بزرع شوكة مستدامة تؤرق الجسدين العراقي والسوري على وجه التحديد .
- تهديد الأمن القومي الإيراني مجدداً ، وذلك بوضع إيران بين فكي تهديد الجماعات الإرهابية ، لناحية أفغانستان وباكستان من جهة والعراق من جهة أخرى .
- خلق بوصلة جديدة لنماذج حزب الله المرتقبة في المنطقة ، بعيداً عن الكيان الصهيوني ( والذي تحدث أوباما مؤخراً عن منع قيامها ) .
- بث الرعب في الجسد الروسي الصاعد ، بتهديده بتمدد الإرهاب إلى بيئته الداخلية ( حديث وزير الخارجية الروسي تعليقا ً على الحدث ، بوجوب إبقاء العراق دولة ً موحدة )
- إحياء العصا الأممية مجدداً ، والمتمثلة بمجلس الأمن لصالح الراعي الأمريكي في استثمار الأحداث الدولية ، وذلك بعد لجمها وتقييدها من قبل روسيا والصين ، وإعادة تفعيل مبدأ وذريعة " الحفاظ على السلم والأمن الدوليين " .
خلاصة القول ، لا يتسع المقام أكثر للحديث عن باقي التداعيات للحدث العراقي ، إلاّ أنه من الثابت القول ، أن محور الممانعة ، ومن خلفه روسيا والصين ، وباقي الأطر الدولية الصاعدة ، ستتعامل مع التمدد الداعشي في كل من العراق وسوريا ، على أنه أوكسجينا ً يُحقن مجددا ً في الجسد الأمريكي المتهالك ، عسى أن يستعيد ذاك النمر الأمريكي المثخن بالجراح بعضاً من قواه الخائرة … وذلك كله يحدث ، ضمن استراتيجية تكامل الأدوار وتلاقي الغايات عند الحدود .