الانموذج الثوري الذي لا يقبل التشويه
فتحت الثورة الاسلامية في ايران كمنعطف تاريخي في مسار الصحوة الاسلامية وتركت آثاراً كبيرة على مسار التحولات، طريقاً جديداً لإقامة نظام ديمقراطي قائم على الدين. فالاسلام يخاطب كل الطبقات الاجتماعية سواء المحرومين أو غيرهم. وكما كانت الثورة في صدر الاسلام دينية كانت سياسية ايضاً. فالحرية والعدالة وعدم التمييز الاجتماعي في قلب التعاليم الاسلامية مما جعلها شاملة. واروع ما عبر عنه الامام الخميني "ره" حين قال: "الاسلام كله سياسة. لقد عرفوا الاسلام بشكل سيء. انا لست من رجال الدين الذين يجلسون هنا ويمسكون بالمسبحة. انا لست بابا لكي أقيم مراسيم في أيام الاحد فقط...يجب انقاذ الوطن من هذه المهالك. الاجانب لا يريدون لهذا البلد أن يعمر". فبالرغم من تزايد الثروة العالمية وتنامي المبادلات التجارية الدولية وتعدد الاكتشافات التكنولوجية وظهور الثورة الاتصالية والمعلوماتية نلحظ اتساع الهوة بين الدول التي تدعي انها دول عظمى ومتقدمة على سائر دول العالم باملاءات تنعدم فيها العدالة والمساواة وانتهاكاً لحقوق الانسان وزعزعة لمقومات السلم والامن الدوليين والتعمية على مبدأ التضامن كآلية رئيسية للتطور وواجب انساني نبيل.
فالغرب يعتمد الفكر الاستراتيجي النووي ويحاول عقلنة الحرب النووية وجعلها اكثر امكاناً منذ مبادرة الرئيس الاميركي الاسبق "دونالد ريغان" الدفاعية، وطرحه استراتيجية حرب النجوم. فقامت اسس وجودهم على الحرب كما يصرحها القرآن "كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله" المائدة 64.
وهذا يتطلب منا فهم صحيح للغة الكتاب العظيم، على سبيل المثال الآية الشريفة "لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني، ما أنا بباسط يدي إليك لاقتلك إني أخاف الله" المائدة /28... فلا تعني الاستسلام للظلم والتعسف وانما المؤمن لا يبتدئ القتال لأن خوف الله يردعه، وهو بالضبط ما دعا اليه عيسى عليه السلام انصاره على العكس مما يروج له مبلغو المسيحية بان الدين المسيحي هو دين سلم لا حرب. فالآية 52 من سوة آل عمران تقول "فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من انصاري الى الله ..". هذا الواقع ادركه الامام الخميني "ره" مبكراً حين اعتبر الدعامة الاساسية للمقاومة تتمثل بمعرفة صائبة لمعارف الدين، فقال سماحته: "ما لم نعد الى الاسلام اسلام رسول الله ستبقى مشكلاتنا دون حل فلن نتمكن من حل قضية فلسطين .... ولا بقية القضايا... ان اميركا واسرائيل تعاديان اسس الاسلام لانهما تريان في الاسلام والقرآن والسنة اشواكاً في طريقهما تحول دون اطماعهما ونهبهما...".
فصار واضحاً انه يجب التصدي للحكم ولا يجوز جعل السلطة عمداً واختياراً بيد الظلمة أو الكفرة مما يؤدي الى حصول الظلم والطغيان ومعصية الله واضمحلال كثير من الاحكام.
فاعتمادنا على اساس الدليل اللفظي الدال على مبدأ ولاية الفقيه كما جاء في التوقيع المشتمل على حد قول أحد المعصومين: "واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله". وكما افادنا به الكتاب الكريم بخصوص طالوت "ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم" فطالوت ليس نبياً وانما بمثابة قائد القوات وصفوته بعلمه "وهي الفقاهة" والجسم "وهو الاستعداد لمواجهة العدو" كما ينص الكتاب "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة...". فالمشيئة تقتضي ان تمارس الامة خلافتها بحضور شهيد يضمن عدم انحرافها ويشرف على سلامة المسيرة ويحدد لها معالم الطريق، وبدون الحكومة الاسلامية لا يمكن تطبيق مساحة واسعة جداً من احكام الاسلام واهدافه. مع ما يشيعه بعض الاسلاميين – نتيجة الموروث الاسلامي المشوه او الناقص، وواقع النظام الاجتماعي القائم – بأن محاولات استلام الحكم وادارة الامة ليست من وظيفة المسلمين في عصر الغيبة وعدم وجود امام مفترض الطاعة، فالظروف اذن غير مؤاتية لذلك، وهو بالذات ما يصر عليه الغرب منذ اليوم الاول لتأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية. فالمواقف تجاه الاحداث الحاسمة يحددها سماحة قائد الثورة ولا يمكن تفويضها للسلطة التنفيذية حصراً. كما نشهد حالياً جولات المفاوضات غير المباشرة مع اميركا. فقد خبر القائد طبيعة الانظمة السلطوية وكيف انها كلما يتم تقديم تنازل لها تفرض شروطاً جديدة. فخلال استقباله لحشود الشباب التعبوي وجه سماحته هذا المعنى بالقول: "ان المفاوضات لا تحل مشكلتنا مع اميركا. نعم اذا قدمنا لها الاتاوات فستحل المشكلة وبالطبع لا تقتنع اميركا باعطائها الاتاوات مرة واحدة، ففي كل مرة تفرض اتاوات جديدة...
مشدداً على ان الثورة الاسلامية سد منيع امام التواجد الاميركي والغربي في المنطقة، وبلورت هوية جديدة هي هوية الاستقلال والاستحكام والاعتماد على الذات وعدم تقديم الاتاوات للاعداء".